إنتهَت البَلبلة التي نتجَت عن تناوُل الإعلام العوني للنائب ستريدا جعجع، ولم تنتهِ.
في المبدأ الحوار مستمر بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر»، على رغم خرق الهدنة الاعلامية، والتوضيحات التي تلتها، لكن ما لم يعُد مفهوماً بالنسبة الى «القوات»، استمرار الأقلام القريبة من العونيين في التشكيك بالحوار، وبإعلان النيّات، بما يشبه حرب النيات، خصوصاً في ما يتعلق بموقف العماد ميشال عون من قبول الدكتور سمير جعجع به رئيساً من عدمه، إذ لوحِظ أنّ الإعلام العوني بدأ ينشر أجواء عونية عن مهَل واستنفاد الصبر، من جعجع، بما يوحي أنّ عون حدّد سقفاً زمنياً لهذا الحوار، قبل وضعِ جعجع أمام الأمر الواقع الآتي: هل تريدني رئيساً أم لا؟ وهل أنت جاهز للصفقة الكبرى أم لا؟
في الانتظار تسير التحضيرات للحوار على قدمٍ وساق، أوراقٌ تذهب وتأتي، تنقيحات للأفكار، ومقاربات تقليدية حول ما هو متّفَق عليه، وحول ما لا يمكن التوافق عليه، وآخر هذه التنقيحات جرى في اليومين الماضيين، ولم يتأثر بـ»موقعةِ» ستريدا الإعلامية.
يخطر سؤال مواكب لهذا الحوار: هل ثمَّة تربّص من الطرفين لفضّ ما يجري على قاعدة تحميل كلّ منهما الآخر المسؤولية عن فشَل الحوار؟ أم أنّ المصلحة المشتركة تقتضي شراءَ مزيد من الوقت في تبجيل محاسن الحوار، من دون أن يكون لهذا الحوار مضمون عمَلي، في القضايا المفصلية، المتعلقة بالسيادة والدولة والسلاح غير الشرعي وقتال حزب الله في سوريا والانتخابات الرئاسية؟
الأرجح أنّ شكوكاً متبادلة بدأت تسري، خصوصاً لدى الطرف العوني الذي ضاقَ ذرعاً، بطريقة «القوات» في إدارة الحوار. لا يهتمّ عون لكلّ أوراق العمل، وإعلان النيات، هذه التي يتمّ صوغها، فهي تبقى من عمل المفاوضَين اللذين نجَحا نسبياً حيث فشلَ الآخرون، لكن كلّ ذلك يبقى قاصراً عن أن يصل إلى النهاية السعيدة، حيث مِن المرجّح أن يرفض جعجع الموافقة على عون، وأن يطرحَ التوافق على اسم ثالث يتمّ تقديمه كمرشّح ينال النسبة الأكبر من الإجماع المسيحي، وهذا ما يرفضه عون، الذي قد يلجأ، في رأي البعض، إلى طرح النائب السابق جان عبيد (الذي يرفضه جعجع).
يتساءل القريبون من «القوات»، عن مغزى التصعيد الهادئ للإعلام العوني، عبر حشر جعجع لإعلان موقفِه النهائي، فهل هذا التصعيد، صادر عن عون؟ أم أنّ بعض الفريق المحيط بعون يرغب في إحباط هذا الحوار (علماً أنّ عونيين كثُراً غير راضين عن توَلّي النائب ابراهيم كنعان قناة الاتصال مع جعجع)؟.
هذا التساؤل يحصل على إيقاع استمرار التحضيرات لإصدار «إعلان النيّات»، الذي ينتظر أن يكون على درجة عالية من الأناقة اللغوية الفارغة من أيّ مضمون سياسي حقيقي، في اعتبار أنّ ما يفرّق بين «القوات» والعونيين في السياسة أبعد بكثير من إمكان الالتقاء على ورقة تفاهم أو ما شابَه.
ما يثير الشكوك أيضاً بالنسبة إلى «القوات»، فقدان الثقة برغبة عون في التوصّل إلى تفاهم تاريخي، لأسباب عدّة أهمّها أنّه مكبَّل باعتبارات الطموح الرئاسي الذي هو بالنسبة إليه المعبَر الإجباري لأيّ تفاهم، كذلك مكبّل بالعلاقة مع حزب الله والتي تمنعه من أن يتّخذ أيّ موقف وسَطيّ في القضايا الخلافية، وبناءً على ذلك لن يكون صعباً توقّع انتقال عون إلى مرحلة جديدة في التعامل مع هذا الحوار، واعتبار أنّه لم يعُد مجدِياً، وهذا يقود للعودة إلى فتح النار، وإلى تجاوُز كلّ ما بُني في هذا الحوار من تهدئة إعلامية وسياسية، وعندها يكون على كلّ طرَف أن يعود إلى ذاته وقواعدِه لإجراء جردةِ حساب، تتناول كلّ ما نتجَ عن هذه المحاولة، وتحديد قواعد التعامل في المرحلة المقبلة.