لا قُلتَ أنتَ ولا سمعْتُ أنا هذا كلامٌ لا يليقُ بِنا
وإلّا… فنحن نعيش عصر الإنحطاط الفكري، حيث تهبط اللغة من ألسنة الأفواه الى ألسنة الأحذية.
بين انزلاقات الشباب وحكمة الشيوخ يتأرجح مصير وطن…
والكبار يتلقّون الجارحات فترتدّ الى حيث جاءت، هكذا كان شأن الإمام الأكبر علي بن أبي طالب، حين قال لأصحابِهِ في ساعة حرَج: «إنْ عُرِضَ عليكمْ سبِّي فسبُّوني..»
وهكذا يكون شأن القامات العاليات فلا انحناء الى حيث الرشْق:
كالنخلةِ الشمّاءِ إنْ رُشِقتْ فَعَطاؤُها للراشقِ الثَمرُ.
وإلّا… فإنَّ أيَّ كلمة تنزلق مِنْ فمٍ مترنّح، تكون أشبهَ بالرصاصة الطائشة التي تسقط على فوَّهة بركان.
«رُبَّ حربٍ شبَّت من لفظة»… هكذا قالت العرب…
وهل تقول لنا العرب، إنَّ مصير لبنان ودولته وسلطته وأمنه واستقراره ووحدته وعيشه النموذجي وسمعته العالمية والطموحات الواعدات، كلّها أصبحت معلّقة على «لفظة»…؟
وهل صحيح أن طبول الحرب قدْ قُرِعَت مع هذا التراشق بالألفاظ على أسنَّة التواصل الإعلامي، وان خطوط التماس قد استنفرت مع جنوح الخطاب السياسي الى خطاب طائفي، والصراع يلتهب محموماً بين الخلفاء الراشدين، ولم يبقَ إلَّا أن يلجأ الإمام موسى الصدر الى الإعتصام في الكنيسة تحت صورة المسيح للحؤول دون سفك الدم؟
وهل صحيح أن القيادات المسؤولة العليا ستتخلى عن واجب المسؤولية والمؤسسات الشرعية وحكم الدستور، لتكون هي المسبّب في التوترات الشارعية وإذكاء الصراعات؟
وهل صحيح أنها تجهل مغبّة هذا النوع من المواجهات التي يفوق خطرها ما هو بين الطائفة الواحدة والمذهب الواحد؟
من المتعارف عليه في تاريخ الثورات منذ انتفاضة العامة في روما سنة 494 ق. م. أن الثورة تنطلق من تحت الى فوق، من الطبقة الشعبية المحكومة ظلماً الى الطبقة الشرعية الحاكمة جوراً، ولم نشهد ثورة من فوق على فوق، ومن فوق الى تحت.
الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري يمثلان السلطة التي ليس فوقها فوق، فالشكوى تنطلق منها وإليها.
والرئيس عون الذي يتحّمل سلطتين: سلطة رسمية وسلطة أبوية قد أبدى بالسلطتين إحساناً، والرئيس برّي هو الوطني الإطفائي الذي تتّجه إليه الأنظار كلّما شبّ حريق سياسي بسبب خفّة العقول ورعونة الأفواه.
ولا إخال هذين الرئيسين تحديداً، يجهلان شواهد التاريخ بأن الوقوف فوق سطوح روما لا يخمد النار المندلعة من تحت.
وأن النفوس المشحونة والأعصاب المشدودة والقلوب المتأججة قد يؤدي معها اللهب الطائفي الى «نشوب حرب من لغطة».
وقديماً قيل: إنَّ منْ أسباب حرب 1860، إحتكاك كتف حمار بأحد المارة على طريق بيت مري…
وسنة 1975 قادَنا ذنَبُ حمارٍ الى حرب أهلية…
فلا نجعلنَّ الحمار يجرِّبُنا مرّة بعد.