IMLebanon

الحرب أوّلها كلام  

 

من غير المقبول أن يشعر المواطن اللبناني المسيحي الآمن في منزله أنّ مناطقه عرضة لاجتياح جحافل «العفويّين» ـ الذين تتبرّأ حركة أمل من اي علاقة بهم ـ ومن غير المقبول أنّ يشعر المواطن اللبناني المسلم أن طرقات بيته قطعها جحافل «العفويّين» الغاضبين للمسّ بذات رئيس المجلس النيابي، أن يشعر المواطن اللبناني أنّ عليه أن «يتضبضب على بيتو» باكراً خوفاً من فلتان «زعران الأزقّة» أمرٌ ليس مقبولاً، إنقلوا الحجر إلى حركة جديدة في لعبة الشطرنج اللبنانيّة المعقّدة، والكلام الصادر بالأمس عن رئيس حزب القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع كلام حكيم جدّاً درءاً للفتنة وتحييداً للشّارع، وتطميناً للمواطنين الآمنين الذين روّعتهم ليلة فلتان الشوارع.

 

بالأمس أحد الصحافيين المحسوبين على الثنائيّة الشيعيّة اختصر المشهد المقبلين عليه بأحد أمريْن إمّا أنّنا ذاهبون إلى شلل حكومي كالذي حدث في العام 2006 أي استقالة الوزراء الشيعة والدخول في دوّامة «الحكومة البتراء»، وأمّا حرب أهليّة كالتي اندلعت عام 1975، ومن المؤسف أنّ هذا الكلام صحيح بنسبة كبيرة، على الأقلّ فيما يتعلّق بشلّ الحكومة وأخذ البلد إلى التعطيل، وحده الشعب اللبناني سيدفع ثمنه!

ومن المؤسف أنّ الاجتماع الاستثنائي للتيار الوطني الحرّ ضرب عرض الحائط  ببدهيّة أنّ العودة عن الخطأ فضيلة، فلم تخرج عنه حتى رائحة التفكير بالاعتذار عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه رئيسه بحقّ رأس الرئاسة الثانيّة الذي يمثّل الطائفة الشيعيّة في موقعه، وحاول التلطّي خلف بيان رئيس البلاد الجنرال ميشال عون الذي ذهب باتجاه احتواء الموقف، ولكن إعلان التيار الوطني الحرّ عن إقفال الملفّ، أصاب كلّ الذين عوّلوا على التعقّل بخيبة كبيرة!

نحن مقبلون على أزمة كبرى، حربٌ شعواء لن توفّر أحداً من شظاياها، كنّا نتمنّى لو انتهت الأزمة بالأمس وسحب فتيل التفجير، ولكن هيهات، التصعيد آتٍ لا محالة، حتى الذين لديهم تحفّظات كثيرة على الأداء السياسي للرئيس نبيه برّي يدركون أنّه لا يستطيع التهاون تجاه التطاول الذي لحق بشخصه، وهو صاحب حقّ في هذه الأزمة على الأقلّ هو يُناكف بالسياسة لم يخرج عنه يوماً لفظاً مهيناً تجاه إيّ سياسي، ويبدو أنّ صوت كلّ العقلاء والحكماء لم يلقَ صدىً عند المعنيّ الأوّل والأخير بافتعال هذه الأزمة وجرجرة البلاد إليها!

عسى أن لا يكلّ أصحاب المبادرات من محاولة سحب فتيل الحرب غير المعلنة،

قديماً حذّر نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان في أواخر العقد الثاني وأوائل العقد الأول من القرن الثاني للهجرة، من شرّ «أبو مسلم الخراساني» المحيق بدولتهم فقال: «أرى خَلَلَ الرَّمادِ وميضَ نارٍ/ ويوشكُ أن يكونَ لها ضِرامُ/ فإنّ النّارَ بالعوديْن تذكى/ وإنّ الحربَ أوّلُها كلامُ»، وفي رواية أخرى قيل إنّه قال:»أرى خلَلَ الرّماد وميض نار/ فيوشك أن يكون لها ضرامُ/ فإنّ النّار بالعيدان تذكى/ وإنّ الحرب أولها كلام/ فإن لم يُطْفِها عقلاءُ قوم/ يكونُ وقودُها جثثٌ وهامُ»…

نسألُ الله السلامة للبنان وشعبه، هذه أزمةٌ غير مسبوقة في تاريخ الحياة السياسيّة اللبنانيّة، يحدث أن تختلف الرئاسات الثلاث وتصل الأمور بينها إلى حدّ التساؤل هل يصلح العطّار ما أفسده الدّهر، سبق وعايشنا خلال الحرب الأهليّة ما اصطلح على تسميته بـ»القصف السياسي» كانت لغة القذائف فيه تغلب لغة السياسة، وما نشهده منذ ليل الأحد الماضي أسوأ بكثير من تلك الأيّام السود وليلات القصف المفاجئة!