IMLebanon

معارك ما بعد الحرب

 

 

إذا توقف «حزب اللّه» عن رصد الإعلام الإسرائيلي، لا يتبقى الكثير من روايته المتهالكة لمجريات الحرب ونتائجها. تقريباً كل صحافة إسرائيل، ألحقها «حزب اللّه» بإعلامه الحربي، لذا من المستهجن لديه وجود صحافة لبنانية تناقض «منطق العدو». اللافت أن إسرائيل لا تردّ الصاع بالمثل، ولا يأخذ لديها الإعلام اللبناني المناهض للمشروع الإيراني الأهمية ذاتها لتبرير حربها الضارية على لبنان.

 

جماعة «حزب اللّه» تعتنق فكراً أُحادياً يتغاضى عن حقيقة أن قوة إسرائيل العسكرية والسياسية لا تنفصل عن حرية صحافتها. والعين الواحدة لا ترى حجم الخسائر بالأرواح والممتلكات، فاللجوء إلى غيبيات دينية يقلّل من فداحتها.

 

 

 

والاستعاضة بما تكتبه الصحافة الإسرائيلية المعارضة ذريعة كافية لتبرير مسار الانتحار والاندحار. إنه «توازن الردع» في أبهى صورة، فتضرّر مزرعة دجاج في مستوطنة يُعادل تدمير أحياء بأكملها في الضاحية الجنوبية.

 

 

 

أما بالنسبة إلى قيمة الإنسان، فإسرائيل تخسر أكثر كلما تزايد عدد الذين يرتقون إلى الشهادة في المعسكر المقابل، بمعنى أن من يبقى حياً في حطام هذه الدنيا هو الخاسر. ستنتهي هذه الحرب في يوم قريب أو بعيد، ومن الواضح أن معظم اللبنانيين سيختلفون مع هذه الجماعة في ما آلت إليها نهايتها كما اختلفوا على بدايتها.

 

 

 

وهناك خشية حقيقية أن يرتد السلاح الذي سيُمنع جنوب الليطاني إلى الداخل، في محاولة لتغيير طبيعة النظام جذرياً. إذا طُبِّق القرار 1701 كما يجب، فستسقط «شماعة» مزارع شبعا التي كانت التبرير المعلن لهذا السلاح، ومن المستبعد أن يقوم «حزب اللّه» بمراجعة عميقة تنتهي بتحوّله إلى العمل السياسي أسوة بغيره من الأحزاب.

 

 

 

ورغم ضبابية المرحلة المقبلة، من المؤكد أن اللبنانيين الأحرار من كل الطوائف، ومن ضمنها الطائفة الشيعية، سيواجهون، وبعزم أكبر، أن تفرض إسرائيل أو «حزب اللّه»، معالم «اليوم التالي»، ومعادلات داخلية تعيدنا إلى الوراء أو تلقي بنا إلى هاوية جديدة.

 

 

 

لم يكن للبنان الرسمي شأن في هذه الحرب، ليس فقط لأن «حزب اللّه» اختطف الدولة لمصلحة دويلته، بل أيضاً لأن ثمة أفرقاء في الداخل لم يحسموا أمرهم على مدى عشرات السنوات. في السرّ يعارضون، وفي العلن ينافقون سعياً وراء مصالح شخصية. ومن دون مواربة، ضرر أصحاب «اللعب على الحبلين» يُعادل، وإن بطريقة غير مباشرة، ضرر «حزب اللّه» وإسرائيل.

 

 

 

وفي البدء لو انضمّ هؤلاء إلى صف المعارضة من دون تحايل وتكاذب، لما استسهل «حزب اللّه» عملية قضم الدولة. من أسوأ مقولات من لا تأخذ منه حقاً أو باطلاً، تهويله الدائم باحتمال وقوع فتنة داخلية، لكأن من يهوّل بها يتمناها، لأن الفتنة بطبيعتها تخدم بقاء القديم على قدمه. «حزب الله» لن يتغير معتقده مهما حصل، ولكن ماذا عن «الوسطيين» و«الاعتداليين» و«التغييريين»؟ يؤخذ على «حزب اللّه» حال الانفصام والإنكار، ولا يبدو أنه الوحيد.