معركة حلب تحتاج، مع القوة النارية الروسية، الى قوة الدعاية الروسية. وموسكو تستخدم القوتين، وسط ارتفاع الأصوات في الأمم المتحدة وأميركا وأوروبا محذرة من تفاقم الكارثة الانسانية، وعاجزة حتى عن أن تمارس دور كاريتاس. فالرئيس فلاديمير بوتين لم يجد سوى دقائق لحديث على الواقف مع الرئيس باراك أوباما الذي صار بطة مشلولة. والرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي لا يزال خارج الملعب معجب بالرئيس الروسي وراغب في تعميق العلاقات معه. والمرحلة الانتقالية بين عهدين تغري بوتين بالاندفاع أكثر في المغامرة التي بدأها حين كان أوباما قادرا على فعل شيء مطالبا معاونيه بتقديم خيارات للرد الذي يعرف الجميع انه ليس راغبا فيه.
ذلك ان كل هدنة أعلنتها موسكو هي جزء من سيناريو المعركة. وكل خطوة في المعركة جزء من سيناريو التسوية السياسية. قبل أيام تحدث وزير الدفاع الجنرال سيرغي شويغو عن إرجاء محادثات التسوية الى أجل غير مسمّى بسبب فشل الغرب في كبح جماح المعارضين. وفي الوقت نفسه تقريبا رأى وزير الخارجية سيرغي لافروف ضرورة استعجال تسوية سياسية. تناقض؟ كلا.
فالوزيران يخدمان سيّدا واحدا هو القيصر. وليس في روسيا تحت حكم بوتين مجال لتناقض المواقف بين العسكر والمدنيين كما هي الحال في أميركا بين البنتاغون والخارجية والمخابرات المركزية.
وها هو لافروف الذي نجح في التلاعب بنظيره الأميركي جون كيري يستضعف رجلا ضعيفا أصلا. فهو يتّهم ستيفان دي ميستورا ب تقويض القرار ٢٢٥٤ منذ ستة أشهر والذي يطلب تنظيم محادثات شاملة بين الأطراف السوريين من دون شروط مسبقة. وهو يعرف ان الموفد الدولي الذي لا شغل له ان لم يمهّد الطريق الى المحادثات، ربط كل خطواته بالتفاهم مع الثنائي لافروف – كيري.
والسؤال هو: ماذا وراء قول لافروف انه ليس أمام المعارضين الوطنيين والحكومة السورية من خيار سوى أخذ المبادرة بأنفسهم وتنظيم حوار سوري – سوري؟ هل المقصود تجاوز دور الأمم المتحدة أم دفعها الى التحرّك؟ كيف يتم تنفيذ قرار لمجلس الأمن من دون أن تلعب المنظمة الدولية دورها؟ وكيف يمكن إنهاء حرب تنخرط فيها روسيا وأميركا وأوروبا ودول اقليمية وميليشيات من ثمانين بلدا بتسوية يتفاوض عليها السوريون وحدهم؟
الظاهر ان الرهان لا يزال على حلّ سياسي بمفاعيل الحلّ العسكري: والسيناريو هو انهاء معركة حلب وفرض الأمر الواقع بما يحدد نوعية المعارضين الوطنيين ونوع التسوية مع النظام في سوريا المفيدة. لكن هذا السيناريو ليس الفصل الأخير في حرب سوريا، على افتراض انه الفصل الأخير في حرب روسيا.