Site icon IMLebanon

حرب استطلاعات الرأي..وما بين سطور أرقامها

لا يكترث ميشال عون كثيراً لما يجري حوله من تغيّر في إحداثيات الخريطة اللبنانية. يركّز فقط على حِسبته وعلى موقعه. يثبّت رجليه على أرضية ترشحه للرئاسة، وينتظر الآخرين أن يقدموا على تغيير «نقلاتهم». أما هو فلا يراوح مكانه، ويترك للظروف أن تتوجّه في القصر رئيساً. عاجلاً أم آجلاً سيحصل ذلك بنظره. ولهذا فإن البقية تفاصيل لا تقدّم أو تؤخر.

طبعاً، لا يتنكّر لما قدمته له مصالحة معراب في تعزيز موقعه الترشحي، بعدما بدت مبادرة باريس في لحظة لم تكن في الحسبان، قادرة على سحب البساط من تحت قدميه. ولكنه يعرف جيداً أنّ مكانته في الوجدان المسيحي هي بطاقة عبوره الى القصر، كما هي «ورقته الذهبية» التي لا يمكن تجاوزها.

ولهذا، لم يناقش سليمان فرنجية يوماً، سيد الرابية في مكانته الزعامتية ولا في موقعه المتقدّم بين أبناء طائفته. فوقوف «الجنرال» على الدرجة الأولى لسلّم الزعامة المسيحية مسألة بديهية لا تحتاج للأرقام ولا للاستطلاعات كي تثبت صدقيتها وصحتها.

ميشال عون، باعتراف أصحاب المنطق الواقعي أو من دون اعتراف أصحاب منطق المغالاة، هو الزعيم الأول بين الأقطاب المسيحيين، وهو استطراداً الأحق بالترشح لرئاسة الجمهورية كونه يعبّر عن وجدان المسيحيين وتطلعات شريحة كبيرة منهم… لكن هذا لا يعني أبداً أنّ باقي الأقطاب أشباح غير مرئيين، أو غير موجودين، كما يقول المتحمسون لـ «مبادرة باريس» الشهيرة.

يعتبر هؤلاء أنّ لعبة الأرقام التي تقدمها استطلاعات الرأي لا تخدم فريقاً من دون آخر، ما دامت الساحة المسيحية غير محكومة بقاعدة الأحادية، وبالتالي يمكن لأي فريق أو حزب أن يستخدم هذه اللعبة لمصلحته ويجيّرها لمعركته الرئاسية.

هكذا، يرون أنّ القول إنّ رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» يضع 86% من المسيحيين في سلّة ترشيحه، فيه شيء من المبالغة وتحوير الوقائع، لأنّ هذا الرقم يعبّر عن نسبة المسيحيين المؤيدين لمصالحة الجنرال ميشال عون مع سمير جعجع، مع أنّ المنطق يقول إنّ مصالحة على هذه الأهمية يُفترض أن تنال تأييداً أكثر من 99% من هذا الجمهور لأنّ الكل معنيون بها وبتداعياتها.

ولهذا يعتبرون أنّ الاستطلاع الأخير، الذي نشرته «الدولية للمعلومات»، يعبّر عن خريطة أمزجة اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والسياسية ويتسم بالمنطق كونه لم يظلم أحداً. إذ يكفي بنظرهم أن ينال سليمان فرنجية تأييد 33% من المسيحيين كي يكون «قوياً»، كما أتى في توصيف «إعلان النيات»، أو مستمداً «دعمه من المكوّن الذي ينتمي اليه فيكون معبِّراً بذلك عن وجدان المسيحيين»، كما جاء في «اتفاق بكركي»، مع أنه من الأقطاب الأربعة أصلاً وتنطبق عليه الصفة الأساسية ليكون مرشحاً جدياً غير مطعون بـ «شرعيته»، وهذا دليل إضافي على «قطبيته».

ولهذا فإنّ تصويره على أنّه «ميشال سليمان ثان»، أو «إميل لحود ثان» فيه شيء من الظلم بحق الرجل وبحق ناسه الذين يمثلهم أو مؤيديه، لأنّه لم يأت أصلاً من العدم أو الفراغ، ولا حاجة لاستعادة شريط حياته ومكانته.

لا بل أكثر من ذلك. ينظر هؤلاء الى جدول أصوات المسيحيين، ليشيروا الى أنّ الجنرال ميشال عون نال في هذا الاستطلاع نحو 46% من الشرائح المستطلَعة بينما صوّت 21% لمصلحة «لا أحد». وهذه الأرقام التي نالها سيد الرابية تأتي بعد مصالحة معراب، ما يعني أنّ القواتيين هم شركاء في هذه النتيجة، من دون أن يعني ذلك أنّ الـ21% التي وقفت على الحياد قد لا تصبّ لمصلحة القطب الزغرتاوي إذا صار رئيساً للجمهورية، وهي الكتلة المعروفة بالوسطية أو المستقلة التي تتأثر عادة بالمواقف وبالتغيرات السياسية كونها غير مقولبة في قوالب الأحزاب، الجاهزة.

أما ما يسمح للحريري بالتمسك بترشيح رئيس «المردة»، كما يقول المتحمسون لتفاهم «المستقبل» – «المردة» فهو قدرته على «عبور» جسور بقية الطوائف بسلاسة لافتة، حيث تمكن من الحصول على 86% من الصوت السنيّ و35% من الصوت الشيعي، ما يعني أنّه «مقبول» من الطوائف الأخرى، ما يؤهله لسلوك درب بعبدا بخطوات واثقة.

وهو بذلك نجح في كسر حاجز التطويق لدى الشارع الشيعي بفعل وقوف «حزب الله» خلف ترشيح الجنرال، ونجح أيضاً في تقديم نفسه «مرشحاً فوق العادة» لدى الشارع السني.

ويقول هؤلاء إنّ رفض سعد الحريري التخلي عن ترشيح القطب الزغرتاوي بل وتبنيه علنا، يعود في واحد من الأسباب الى حماسة جمهوره الأزرق لترشيح سليمان فرنجية، وهو الأمر الذي يصعّب على الجنرال ميشال عون فعله، حتى لو وقف زعيم «المستقبل» على المنبر معلناً تأييده للزعيم المسيحي.

وبنظر هؤلاء فإنّ هذه العيّنة من اللبنانيين، ومن المسيحيين خصوصاً، تؤشر الى مزاج هؤلاء الناس، وكيف سيتعاملون مثلاً مع الاستحقاقات المقبلة، ومنها الانتخابات البلدية.

ولهذا يعتبرون أنّه لا خشية من مفاعيل المصالحة بين العماد عون وجعجع، وأنّ الخوف من تسونامي عوني – قواتي قد يجتاح المناطق المسيحية فيأكل أخضر مقاعدها البلدية ويابسها، قد لا يكون في محله، بدليل ما أتى به الاستطلاع من نتائج «متوازنة». وذلك يعود الى التركيبة التعددية التي تتميز بها الساحة المسيحية ولا يمكن لها أن تتخلى عنها حتى في اللحظات الاستثنائية.