«رفع السريّة المصرفيّة»، ينتاب اللبنانيّين ضحك مجنون، أصحاب المليارات المنهوبة منذ متى كانت أموالهم تنام في مصارف لبنان، «رفع الحصانة» ومَن سيرفع الحصانة عن مَن؟! كلام، يتساقط الكلام كالمطر على رؤوس اللبنانيين، وللأمانة لا ينتظر اللبنانيّون شيئاً جديّاً من بازار مزايدات الحرب على الفساد، مجرد شعارات ومناكفات سياسية ليس أكثر، «طاحونة ودايرة» زمنٌ هزيل يتشدّق فيه أكبر رموز الفساد بالحديث عن الحرب على الفساد والتنظير لقوانينها، وعدم الانتظار هذا يساعد اللبنانيّين على الاستمرار، يشعرهم أنّهم شعبٌ يتّكل على نفسه، شعبٌ يملك ألف حلّ لمئة معضلة، عدم الانتظار ينقذهم من الإحساس بالخيبات المتتالية من دولة تعدهم ولا تفي، دولة تستنزفهم ولا تعطيهم أبسط حقوقهم كمواطنين، سنوات الحرب الأهليّة علّمت اللبنانيّين غريزة البقاء على قيد الحياة، عاشوا خمسة عشر عاماً بلا دولة، عاشوا وبين أيديهم «تهرهر» الدولة اللبنانيّة بكلّ عيوبها وشعاراتها الوهمية.
في زمن الحرب عاش اللبنانيّون بحكومات وبلا حكومات، بمراسيم جوّالة، وعاشوا بانقسام وبوهم وحدة، وعاشوا من دون رئيس للجمهوريّة، وبحكومتيْن، وبجيشيْن، وكانوا على قدر كبير من المسؤوليّة، عاشوا بدولة لها هيبة، وفي دولة فقدت هيبتها، في زمن الحرب أيضاً لم يحلّ السياسيّون أزماتهم التي افتعلوها وأدخلوا البلد بسببها في متاهة ولا يزالون كذلك حتى اليوم و»ستّين عمرهم» ما يحلّوها، فلبنان «فيهن وبلاهن» باقٍ برغم أنف كلّ الذين لا يريدون له البقاء إلا ضعيفاً وهزيلاً ومحتلاً أيضاً!
لا ينتظر اللبنانيّون شيئاً من شعارات الحرب على الفساد ويعرفون أنّها لن توصل إلى مكان فهي ليست أكثر من تناحر وادّعاءات فارغة، لقد اعتاد اللبنانيّون أن تعاقب السنوات في لبنان لا يُغيّر إلا من سيىء إلا أسوأ، ويُدرك اللبنانيّون أنّهم يعيشون في بلد يمشي على «السُّبحانيّة» وأنّهم يعيشون بـ»اللطف الإلهي»، هذه الدنكشوتيّة السياسية المستمرّة يومياً سيدفع ثمنها الذين يصطنعونها، وجلّ ما ينتظروه اللبنانيّون من «معمعة الحرب على الفساد» فهو أن تذهب بهذه الطبقة السياسيّة إلى الجحيم، لأنّ الأغلبيّة الصامتة من الشعب اللبناني تُدرك أنّ طقطقة الكلام عن الفساد ليست أكثر من تنافس على النهب وادّعاء الطهارة!
«حلّوا عن ضهر هالبلد»، هذه الطبقة التي تتوارثنا أباً عن جد، من الذي يستطيع أن يصدّق هرطقتها في الحرب على الفساد، «ما هنّي ذاتن» المتهمين بالفساد يخرجون علينا اليوم يكذبون وبمنتهى الوقاحة، من المفارقات أن الذين صنعوا ثروات كبرى خلال بضع سنوات من راتب محدود ومعروف ومع هذا «إلو ستين عين» أن يحدّثنا بأنه رأس حربة في الحرب على الفساد!
لا يبدو سياق الحكومة قابلاً للعيش والاستمرار إن كان «عرض العضلات» سيستمرّ على هذا المنوال، عضلات وهمية يبرزونها لبعضهم البعض، وفي لحظة ستسقط كل هذه المزايدات في اللحظة التي تلوح فيها مليارات يشمّرون عن سواعدهم ويتهيّأون لتقاسمها، وسيبتسمون في وجوهنا مدّعين أنّهم غلّبوا مصلحة البلد على مصالحهم الشخصية!
حضرات «الدنكشوتيون» يكفي ثرثرة لا تقدّم ولا تؤخر، لا ينقص البلد تشنج، هذا الاستقواء لن يوصلكم إلى مكان، كلّكم فاسدون ومفسدون أيضاً!
ميرڤت سيوفي