بصرف النّظر عن الأكذوبة الغربيّة حول حريّة المعتقد وحريّة التّعبير “الدّنيي سلف ودين” وعلى الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون – الغاضب من الكاريكارتير الذي نشرته السّفارة الرّوسية في فرنسا عن أوروبا العجوز المريضة – أن يتذكّر أنّ أوروبا هذه وسفرائها سبق وعملوا على تفتيت الخلافة العثمانيّة وأمعنوا في وصفها بـ”الرّجل المريض” وإن لم يحبّ ماكرون أو دول أوروبا التي أنهت الحرب العالميّة الثانية دورها فقسّمتها إلى أوروبا الغربيّة وأوروبا الشرقيّة تلفظ اليوم أنفاسها في خضمّ الحرب الرّوسية ـ الأوكرانيّة والتي قد تُضاف إليها حرب جديدة بين صربيا وكوسوفو في وقت تُذلّ فيه الولايات المتحدّة الأميركيّة أوروبا وتريد أن تجعل دولها تحت الحماية الأميركيّة، وأن عليهم أن يتعلّموا من الصفقة الأستراليّة وممّا فعلته الولايات الأميركيّة بفرنسا عندما سرقت منها صفقة الغوّاصات النّوويّة الموقّعة بينها وبين أستراليا فطعنتها في ظهرها بحسب الوصف الفرنسي الغاضب بشدّة آنذاك، فما الذي قد ينتظر دول أوروبا إن أصبحت تحت المظلّة الأميركيّة التي لا يثق بها إلا أحمق؟!
بالأمس كانت العين على اسطنبول حيث حضر الوفدان الرّوسي والأوكراني للتّفاوض، فيما لم تخفِ تركيا رغبتها في أن يكون الاجتماع المقبل بين الرئيسيْن الرّوسي والأوكراني، وإن كان الأمر لا يزال بعيداً، في وقت تجلّى الموقف التّركي منذ اندلاع هذه الحرب بخصوصيّة العلاقة بين الطرفيْن خصوصاً وأنّ تركيا تراقب البحر الأسود والحدود بينها وبين الأوكراني والرّوسي، لم يتمتّع أحد بالحظّ الذي لدى تركيا فتفوّقت فيه على الجميع، ومنذ البداية أخبرت الجميع وحلف النّاتو الذي هي أحد أعضائه أنّ علاقتها بالرّوس عميقة وتاريخيّة ومعقّدة، وفي نفس الوقت ذاقت تُركيا طعم الوقاحة الأوروبيّة في موضوع رغبتها بالانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي وظلّ هذا الاتحاد لسنوات “يُعشّم” تركيا ثم يُخيّب أملها لذا تفهّمت أكثر من غيرها الصّدمة الأوكرانيّة، ووحده فلوديمير زيلينسكي الرئيس الأوكراني يتحمّل مسؤوليّة إصراره على الاستمرار في الحرب التي تدمّر بلده مدينة بعد أخرى، فيما الاتّحاد الأوروبي ثبت فشله ومن قبل هذه الحرب بكثير، وحتى اليوم دول غرب أوروبا غير مستعدة لدفع ثمن حروب إن ورّطت فيها دول شرق أوروبا، فما الذي تواجهه أوروبا اليوم بعد فشل أكذوبة الاتحاد الأوروبي ووعوده الكاذبة!
“الإمبراطوريّات القديمة تعود” هذه خلاصة الأصوات التي ترتفع في بعض برلمانات الاتحاد الأوروبي وتجد أوروبّا نفسها أمام وضع جديد تجلّى صارخاً مع اندلاع الحرب الرّوسيّة ـ الأوكرانيّة، وتحذّر هذه الأصوات من أنّ هناك ثلاث أمبراطوريّات على الأقل تنبعث من جديد هي الإمبراطوريّات الروسيّة والصينيّة والتركيّة، وأنّها تعود بمقاربات جغرافيّة وعالميّة جديدة، الأمر الذي يجعل أوروبا أمام وضع جديد… أطرف ما في وضع حلف النّاتو الذي يستجديه الرئيس الأوكراني حمايته على الأقلّ لسماء بلاده وترى فيه أوروبا الحلف الحامي لدولها أن تركيا تعد أكثر الدّول المشاركة فيه بعديد جنودها وهي الدّولة التي لم تقع في فخّ الاتحاد الأوروبي وأدارات له ظهرها “من زمان” فيما وقعت في خبث حبائله أوكرانيا واكتشف رئيسها يوم اندلاع الحرب أنّ دول أوروبا وأميركا خدعته وتركوه وحيداً في ميدان الحرب مثلما تركوا بلاده للدّمار وشعبه للجوء في دول الجوار، وإن تباكى الإعلام الأوروبي على شعرهم الأشقر وعيونهم الزرقاء ومسيحيّتهم وأوروبيّتهم ثم اعتذر هذا الإعلام العنصري واكتفى بتغطية الحرب لا أكثر ولا أقل!