IMLebanon

حربهم على التاريخ

كوحوش مسعورة تخوض حرباً ضارية مع التاريخ، بدت المشاهد المصورة لمجاهدي “الدولة الإسلامية – داعش” وهم يحطمون الكنوز التي لا تقدر بثمن في متحف الموصل. انقضوا على الثيران الآشورية المجنحة. لـ”تصفية” من وما يمت بصلة الى غير الإسلام. هذه ليست مأساة للعراق بل جريمة موصوفة ضد الإنسانية.

تثير هذه الأعمال سؤالاً مشروعاً عن موقف الحركات والأحزاب الإسلامية عموماً، ليس طبعاً من “الدولة الإسلامية” وخليفتها أبو بكر البغدادي، بل من أتباع الديانات والطوائف والمذاهب والمعتقدات السماوية والأرضية على السواء، ومن رموزها ومعابدها وتاريخها. وقت يظهرون مقتهم لـ”داعش” والجرائم التي ترتكبها بحق الناس ذبحاً وحرقاً وإغراقاً وتنكيلاً بكل الصور والأشكال، يبدو هذا الموقف خجولاً من هؤلاء المجاهدين الإرهابيين عندما يتعلق الأمر بالجرائم التي لا تزال ترتكب ضد المسيحيين والأيزيديين والآشوريين والشبك والصابئين وغيرهم من الأقليات في العراق وسوريا والعالم العربي. لا بد من التذكير في هذا المقام أن اسرائيل كانت المستفيدة الوحيدة من الجرائم التي ارتكبتها أنظمة المنطقة – باسم القومية العربية غالباً – بتهجير اليهود العرب من بلدانهم بعد التنكيل بهم.

لا بد أن هذه المشاهد تعيد الى الأذهان صوراً قاتمة أخرى من إسلام نهايات الألفية الثانية وبدايات الألفية الثالثة وإسلامييها. لا تمحى صور مجاهدي تنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان” وهم يهللون ويهتفون تكبيراً بعدما زنروا التماثيل البوذية وفجروها في أفغانستان. أرادوا يومها قطع أي صلة لهذا البلد التاعس بكل ما هو غير مسلم. حتى لبنان عانى – ولا يزال يعاني – أزمة الإحتكار الثقافي هذا وعدم الإعتراف بالآخر، وباختلافه. عمل بعضهم، إما عن تعصب وإما عن جهل وإما عن كليهما، على الإتجار غير المشروع بالإرث التاريخي الغني والمتنوع بعد استخراجه من بطن الأرض، وإن لم يكن كذلك، فعلى تدميره وتحطيمه. ليس غريباً عن الحركات والمنظمات الإسلامية المتطرفة هذا السحق والطمس للمقتنيات التاريخية من الثقافات الأخرى. هذه بالنسبة اليهم أوثان وأصنام يتبجحون بتدميرها. يعبدون بحجارتها طريق صعودهم الى الجنة.

يأتون الآن على حضارات الأشوريين والبابليين والسومريين التي سبقت الإسلام بآلاف السنين. قصة الطوفان ولدت في بلاد ما بين النهرين قبل رسالة النبي محمد بثلاثة آلاف سنة. ممالك نمرود ونينوى والحضرة. تعج وسائط التواصل الاجتماعي الآن بمشاهد كارثية أيضاً لرمي المخطوطات النادرة في النهر وحرقها.

على أثر الغزو الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣، ساد الكثير من الهرج والمرج مما أدى الى عمليات نهب وسرقة خطيرة لإرث العراق من التاريخ. قاد غسان تويني و”النهار” حملة استثنائية لوقف هذه المأساة… كان يعتقد أن ثمة من يقصد طمس هذا التاريخ.

جاء الآن البرابرة الجدد. يريدون إبادة الأقليات وطردها من المنطقة وتدمير كل ما “يدنس” أرض المسلمين، بحسب معتقداتهم الجهنمية. يحاولون قطع أي صلة بالحضارة الإنسانية. هذه الحياة الدنيا بكل ما فيها. يسعون الى نهايتها. القيامة الآن، غداً.