IMLebanon

الحرب على الأبواب؟

 

هل يمكن القول إنّ المنطقة دخلت مرحلة العدّ التنازلي لحرب قادمة؟ فلقد سبق التصعيد الحربي الذي شهدته الجبهة الإسرائيلية السورية قبل أيام تصعيدٌ إعلاميّ واسع في الأسابيع الأخيرة كان يشي بتسارع الأحداث نحو حالة حربيّة مقبلة.

فقبل أسبوعين طار نتانياهو إلى روسيا واجتمع بالرئيس الروسي بوتين. وقد صرّح للصحافيين بعد اللقاء بأنّه ناقش مع الرئيس الروسي «سيناريوات تصعيدية ممكنة» على الجبهة الشمالية. وعلى ما يبدو، فالأمر يتعلّق بمحاولات إيرانية لنقل منشآت تصنيع الصواريخ من الأراضي السورية إلى لبنان، وذلك على خلفيّة الضربات الجوية الإسرائيلية على هذه المواقع وتدميرها في الأراضي السورية. بعد اللقاء الإسرائيلي الروسي وصل إلى إسرائيل وفد روسي عسكري وسياسي رفيع المستوى للوقوف على الخطوط الحمر الإسرائيلية بهذا الشأن، ولأجل البحث في التنسيق الأمني بين الطرفين بوصف روسيا الحاكم الفعلي والأقوى في سورية في هذا الأوان.

الأيديولوجية التي تسير على خطاها إيران هي ذات مطامع إمبراطورية توسّعية في المنطقة، وقد شهدت نجاحات كثيرة في العقد الأخير. حكّام إيران يقيسون خطواتهم بدقّة. وبهذا السياق، جدير بالذكر ما صرّح به من قبل الرئيس الأميركي بأنّ الشهور القليلة القادمة هي آخر تمديد لتجميد الحظر ضدّ إيران في إطار الاتّفاق النووي. على رغم تجميد هذا الحظر، شهدت إيران مؤخّراً تظاهرات واسعة اجتاحت غالبية المدن، وقد خرجت هذه التظاهرات، وعلى خلفية اقتصادية، من أوساط جمهور شعبي كان يُعدّ من موالي النّظام.

إنّ إعادة النّظر في تجميد الحظر قد تفاقم أزمات إيران الاقتصادية وتضعضع الوضع، مشكّلة خطراً على النّظام، ولهذا ليس من المستبعد أن تدفع إيران ببيادقها المنتشرة في المنطقة، وعلى رأس هؤلاء حزب الله، لخطوات تصعيدية بغية صرف الأنظار عن محاولة إعادة النظر في الملفّ النووي. قد يكون حزب الله جاهزاً للقيام بمهمّة من هذا النوع نظراً لاعتبارات خاصّة متعلّقة بفقدانه الكثير من المصداقية والشعبية بين الجمهور العربي عقب تدخّله في سورية دعماً لنظام الأسد وما جرّ هذا التدخّل من جرائم مرتكبة بحقّ الشعب السوري.

على العموم، فإنّ إسرائيل دائماً، وبوصفها الشيطان الأصغر، شكّلت أسلك الطرق لاكتساب العواطف الشعبيّة العربية. الإيرانيّون يعرفون هذه الحقيقة وهم يستغلّونها إلى أبعد الحدود. فمنذ صعود الملالي للسلطة في إيران بدأوا في إعلان «يوم القدس» وإنشاء «فيلق القدس» لصرف أنظار العرب عن المطامع القومية الفارسية في هذه المنطقة، ولإيهام العرب بأنّ إيران هي المخلّص وهي القوّة التي تقف بوجه «الشيطان الأكبر»، أميركا، و «الشيطان الأصغر» إسرائيل. لأجل تحقيق المطامع الإيرانية في المنطقة فإنّ هؤلاء الملالي على استعداد لمحاربة «الشيطان» حتّى آخر لبناني أو حتّى آخر سوري، أو آخر عربيّ.

جدير بالتذكير أيضاً أنّ الخطاب الإيراني، كما يصدر من أفواه الملالي والمتحكّمين في السلطة الإيرانية، لا يتحدّث عن الإسلام، على رغم أنّ الثورة الإيرانية وُسمت بالإسلامية. الخطاب الإيراني الرسمي يُعلي من شأن «ملة إيران»، أي الأمّة الإيرانية، مستعيداً بذلك التاريخ التاريخ الفارسي القديم الذي كانت الفتوحات الإسلامية قد أجهزت عليه.

على هذه الخلفية، يسعنا القول إنّ الشرخ الطائفي الكبير -الشيعي السنّي- إضافة إلى الشّروخ الإثنية الكبرى الأخرى التي تنخر المجتمعات العربية، تشكّل أرضية خصبة للألاعيب الإيرانية في جسد هذه المنطقة.

ولمّا كان الملالي ينهلون من الموروث الديني الشيعي فإنّ سورية، أو بلاد الشام، هي موقع مركزي في هذا الموروث، وهي ترتبط بظهور المهدي الشيعي المنتظر. فها هو رجل الدين وعضو البرلمان الإيراني، روح الله حسنيان، يصرّح لوكالة أنباء فارس بالقول: «عندما يقاتل ذوو الرايات الصفر أعداء الشيعة في دمشق وتنضم إليهم القوات الإيرانية سيكون هذا تمهيداً وعلامة على ظهور المهدي».

هذا البرلماني الإيراني لا يأتي بهذا الكلام من بنات خياله. إنّه يستند إلى الأحاديث الشيعية المهدويّة المتوارثة منذ القدم. فها هو حديث أبي جعفر الباقر: «لا يظهر المهدي حتى يشمل الناس بالشام فتنة، يطلبون المخرج منها فلا يجدونه».

وللتذكير أيضاً فإنّ مصير العرب مع ظهور المهدي لا يبشّر بالخير. فها هو المجلسي يروي حديثاً آخر: «إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف».

إذاً، وعلى خلفية هذه الأيديولوجية الدينية المهدويّة، من المستبعد أن تنسحب إيران من سورية بسهولة. وهكذا دخلت هذه المنطقة في مرحلة حرجة. والجميع ينتظر الآن ساعة الصّفر لانطلاق صفّارات الإنذار التي تُنذر بحصول الدمار.