طهران تشارك بناء على دعوة أميركية، بعد تذليل اعتراضات عربية وأوروبية، في اجتماع فيينا حول سوريا. ولم يكن ذلك ممكنا لولا التغيير الذي أحدثه عاملان: اتفاق فيينا النووي، والدخول العسكري الروسي المباشر في حرب سوريا. ولا كان أمام المعترضين، منذ مؤتمر جنيف – ٢ سوى القول بلسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اننا نريد امتحان جدّية ايران في الحل السياسي. فلا طرف يجب ان يغيب عن مطبخ الحل السياسي. لأن من الطبيعي ان يعرقل الطبخة من يراد له أن يبقى خارج المطبخ. ولا مجال للاستمرار في الانتقائية برفض مشاركة ايران لأنها جزء من المشكلة وقبول مشاركة روسيا التي ينطبق عليها التوصيف نفسه. فضلاً عن ان النظام والمعارضين وأميركا وأوروبا وتركيا والسعودية وقطر أجزاء من المشكلة، وبالتالي مثل الآخرين أجزاء من الحل. والسؤال هو عن نوع الحل السياسي الذي يريده كل طرف.
ذلك ان أميركا مقتنعة سلفاً بأن القضاء على داعش ضمن الحرب على الارهاب مهمة مستحيلة بالقصف الجوي وحده، وصعبة وطويلة بالحرب البرية ولو ساهم فيها عشرات ألوف الجنود. وناقصة من دون جبهة ثقافية وايديولوجية. وهي راهنت منذ البدء على حلّ سياسي، ورأت ان استمرار الصراع في سوريا سيؤدي الى تقوية داعش وايديولوجيته.
وما تراهن عليه حالياً هو توصل روسيا وايران الى مثل هذا الاقتناع بعد اسابيع من تجربة القصف الجوي الروسي وشهور من المشاركة الايرانية على الارض. لماذا؟ لأن انقاذ النظام من السقوط، وهو حقيقة ملموسة زادها تأكيداً الدوران الروسي والايراني، شيء وعودة النظام الى الامساك بسوريا كما كان قبل الحرب شيء آخر.
والخيار الواقعي امام الجميع هو إما التسليم بالحفاظ على الستاتيكو الحالي مع بعض التعديلات الجغرافية، وإما الذهاب جدياً الى الحل السياسي. ولا جدوى من تجديد الرهانات على الخيار العسكري الذي يستحيل اخفاء فشله، مهما ارتفع منسوب المكابرة، قبل الحديث عن تهديم العمران وتمزيق النسيج الاجتماعي في تراجيديا النزوح والتطرف وتعظيم ثقافة الموت وممارسة التعددية في شيء واحد هو انواع القتل واشكاله.
لكن الحفاظ على الستاتيكو، والذي يبدو الاسهل ليس من دون كلفة. ولا هو وصفة لوقف النزاعات وحروب الاستنزاف. فضلاً عن الحاجة الى حماية داخلية وخارجية دائمة. اما الحل السياسي، فان ما حال دونه حتى اليوم هو الهرب من التنازلات المتبادلة التي لا بد منها كثمن له مقابل اكبر مكسب وطني هو الحفاظ على سوريا.