IMLebanon

الحرب «الدينية» بعد الكنيس

لا يمكن أن يؤدي وعد حكومة بنيامين نتانياهو الإسرائيليين بتسهيل أذونات حمل السلاح «دفاعاً عن النفس» سوى إلى مجازر تُرتكب هذه المرة دفاعاً عن «يهودية الدولة» التي نهضت على أشلاء شهداء فلسطين، منذ مذبحة دير ياسين… هو إذاً مشروع حرب دينية يريدها اليمين الإسرائيلي المتطرف بذريعة أن الخطر المقبل هو «إسلام الفلسطينيين» الذين أطلقوا شرارة الانتفاضة الثالثة.

والشرارة ليست سوى تعبير عن اليأس من السلام الكاذب، وخداع شعب مرة باسم «غياب الشريك المخلص» الذي يمكن التفاوض معه، ومرات بذريعة أولوية التصدي لـ «إرهاب» فصائل المقاومة.

لا يمكن الدفاع عن قتل مدنيين، إلى أي ديانة انتموا، ولكن هل تستقيم إدانة غالبية شعب فلسطين التي يجرّعها نتانياهو وعصابات التطرف في إسرائيل، كؤوس الذل والقهر واليأس، فيما العالم لا يتجرأ إلا على إبداء النصائح للدولة العبرية، والأسى لحال الفلسطينيين الذين يخنقهم اليأس وحصار غزة وتدميرها مرات وتفتيت الضفة الغربية بمشاريع الاستيطان… ومحاولات جنونية لتقسيم المسجد الأقصى؟

قد تكون اندفاعة الفصائل إلى تأييد الهجوم على الكنيس في القدس، شارة إنذار إلى اليمين الإسرائيلي وعصاباته التي تخطط لاستغلال الفوضى في المنطقة العربية، والحروب الصغيرة المتواصلة بدماء السوريين والعراقيين والمصريين واليمنيين والليبيين، ولاستغلال الحرب على «داعش» ووحشيته، بذريعة التطرف الإسلامي، ووصم فصائل المقاومة الفلسطينية به. وليس مشهد الاحتفالات في غزة بقتل الحاخامين في الكنيس، بلا دلالة كبرى على اقتراب شعب بكامله من هاوية اليأس. صحيح أنه لا يمكن الدفاع عن قتل مدنيين، لكنّ الصحيح ايضاً ان عصابات اليمين الإسرائيلي التي غيّبت «حركات السلام» وأصواته في الدولة العبرية، لم تترك أرضاً ولا دماً ولا مقدسات لدى الفلسطينيين إلا واستباحتها ودنّستها.

الأكيد أن كل ذلك يحصل ويتفاقم بتشجيع من حكومة نتانياهو التي تحدت الحليف الأميركي رغم كل ما قدمه لإسرائيل من مساعدات عسكرية ومالية، وضمانات أمنية، لتُطلق أسرع وتيرة للاستيطان، وتتغاضى عما يُرتكب في باحة المسجد الأقصى، بل تحاصره بحجّة مكافحة الإرهاب!

ليس دفاعاً عن قتل مدنيين، لكن المأساة أن نجرد شعباً من كل حقوقه، ليقتات على الوهم والكذب… وأي كذب وفضيحة انتهت إليهما وعود الإدارة الأميركية بفردوس سلام، حوّله نتانياهو إلى حقول إبادة بالتقسيط، وتهجير، وترحيل وتنكيل، وتزوير معه تصبح العصابات ضحية، وشعب فلسطين جلاداً!

والسؤال لكل الذين في الغرب تروّعهم وحشية «داعش»، بماذا يصفون حرق شاب فلسطيني وشنق آخر؟ نعم وحشية «داعش» بمستوى آخر، لكنّ إباحة السلاح للمستوطنين والمتطرفين في إسرائيل ستُنجِب «دواعش». وكالعادة إذ يطلق الرئيس باراك أوباما نصائح، لا تجد حتى من يسمع بها، لا يبلغ أحداً وسيلة عملية لكيفية «عزل المتطرفين». فإن عنى «حماس» والجناح العسكري لـ «الجبهة الشعبية»، فمَن يعزل المتطرفين اليهود الذين دأبوا منذ شهور على السعي إلى اقتحام «الأقصى»، والترويج لتقسيمه؟

أبسط البديهيات أن الطريق السهل لتعبئة المشاعر الدينية واستفزازها، هو المسّ بالمقدّسات، وما يفعله حاخامون ووزراء في حكومة الحقد الإسرائيلية، هو بكل بساطة استقدام «داعش» فلسطيني، واتهام شعب به… إنه أقصر طريق إلى المجازر الدينية، لتجديد دماء عصابات القهر والذل.

رغم كل ذلك، ألا يُدمي القلوب اليائسة في الضفة الغربية وغزة، تجديد الانقسام بين السلطة و «حماس»، والتبرع بسلاح فتّاك لإسرائيل، لتُغرِق في جريمة قتل فلسطين…؟

«داعش» بلا هوية، وبلا دين.