إنّها الحرب .. ولكن مع وقف التنفيذ! بهذا التوصيف يقارب سفير دولة كبرى ما يسمّيها العلاقة الحربية بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران، والتي بلغت ذروة التصعيد في الأيام الأخيرة، مع ما رافقها من إجراءات وحشود وتحريك قطع بحرية عسكرية وحاملات طائرات.
الصورة تبعث على القلق، لكن هذا السفير، يغرّد خارج سرب القلقين، ويقول: «نحن نعرف الاميركيين جيداً، وأيضاً نعرف الإيرانيين، الطرفان يريدان الشيء ونقيضه في آن معاً. فالرئيس الاميركي دونالد ترامب يريد الحرب على إيران للانتهاء من الكابوس الذي تشكّله على واشنطن وحلفائها. وفي الوقت نفسه، هو لا يريد هذه الحرب، وإن كانت اسرائيل تدفع إليها بكل قوتها، لانّ نتائج هذه الحرب غير مضمونة.
وأيضاً، لأنّ إيران بالنسبة إلى الاميركيين، ليست فقط عدواً لدوداً لهم، بمقدار ما هي باب لجني الإدارة الأميركية مليارات الدولارات من خلال اعتبار ايران فزّاعة في المنطقة، وبالتالي فإنّ مواجهتها تستوجب شراء كميات هائلة من السلاح الأميركي، وخصوصاً من جيرانها دول الخليج.
يُضاف إلى ذلك أنّ ترامب يريد استثمار الورقة الإيرانية إلى أبعد الحدود في طريقه إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، ويريد اللعب بها في الشكل الذي يخدم فوزه بولاية رئاسية ثانية.
وإيران ايضاً لا تريد الحرب، لأنّها تدرك انّها في مواجهة قوة عظمى، والمواجهة معها معناها الانتحار، ولأنّها أيضاً تدرك أنّ الاميركيين ليسوا في وارد الحرب عليها، فهي تواجه من هذه الخلفية وعلى هذا الاساس. ومن هنا رفعت سقفها إلى حدود تقارب الإعلان عن العودة إلى سلوك مسار تخصيب اليورانيوم».
الواضح، في رأي السفير نفسه، أنّ تسوية فيينا عادت إلى مربّع ما قبل الصفر. ولكنه يستدرك قائلًا، «انّه على رغم من قرار اللاحرب، المعمول به لدى الطرفين، إلّا أنّ التطورات التي قد تتسارع على هذا الخط، قد تحوّل الملف النووي كرة نار من شأنها أن تُشعل هذه الحرب في أية لحظة».
ويلفت السفير إلى تخوف أوروبي جدّي مما يسمّيه «تدحرج كرة النار على الجميع». والاوروبيون، على رغم من مآخذهم الكثيرة والكبيرة على ايران، إلا أنّهم في المقابل يتفهمون إجراءاتها الاخيرة امام الخطوات التصعيدية المتتالية التي انتهجتها إدارة دونالد ترامب منذ أيار 2018 حينما خرجت واشنطن من الاتفاق النووي.
يضيف هذا السفير، «انّ الاوروبيين على يقين من أنّ ترامب لا يريد الحرب، وانّ هدف تصعيده الأساس يتمثل في زيادة الضغوط الاقتصادية المؤلمة على إيران من أجل تأجيج انتفاضة داخلية تُضعف سيادة الحكومة الإيرانية، وتُجبر طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات بالشروط الأميركية، وهو ما قد يشكّل فرصة ذهبية لترامب للحصول على إنجاز في السياسة الخارجية يمكن استثماره انتخابياً، امام تعثّر كافة الملفات الأخرى، ابتداء من سوريا، مروراً بفنزويلا، وصولاً إلى كوريا الشمالية، التي عادت في الأمس إلى توجيه «رسائلها الصاروخية» الى جارتها الجنوبية».
لكن السؤال، هل يستطيع ترامب إحداث تغيير في الداخل الايراني؟
يقول السفير، «إّن آثار العقوبات والضغوط الاقتصادية رهيبة في قساوتها على المجتمع الإيراني، لكن هناك مسألة ينبغي التعمّق فيها، وهي أنّ ايران كيّفت نفسها مع الحصار والتضييق منذ انطلاق ثورة الخميني وحتى اليوم».
ويضيف: «في هذه المرحلة، ينبغي رصد الداخل الاميركي. الديموقراطيون بدأوا يصوّبون على إخفاقات ترامب، وإثارة تساؤلات حول ارتباك «المقاربة الترامبية» للملف الايراني ولسائر الملفات الأخرى. وثمة أمثلة عدّة على هذا الارتباك، إذ هو نفسه هدّد بتدمير كوريا الشمالية قبل لقاء زعيمها كيم جونغ أون في مؤتمرين مهمين، وهو يكرّر ذلك الآن حين يقول إنّه سيُخضع ايران، وفي الوقت نفسه يأمل «يوماً ما» في التفاوض مع القادة الإيرانيين وجهاً لوجه. والواضح أنّ دائرة المعركة السياسية تتسع، وهي التي ستحدّد في النهاية من سيدفع الثمن، ومن سيأخذ الثمن».
يؤكّد السفير، «انّ الإيرانيين هم اكثر من يترقّب ما ستؤول إليه التطورات الداخلية في الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، مع انطلاق السباق الجمهوري – الديمقراطي إلى البيت الأبيض، وتحديداً انتظار ما إذا كان ترامب سيُعاد انتخابه، وهذا يرتب عليها الاستعداد لمواجهة محتملة، في حال مضى الرئيس الجمهوري قدماً في خياراته التصعيدية، الّا اذا جاءت الانتخابات برئيس ديمقراطي يعيد وضع التسوية النووية، التي قاتل من أجلها باراك أوباما، على سكة السياسة الخارجية الأميركية».
السؤال الذي يُطرح: هل انهارت تسوية فيينا وطار الاتفاق النووي نهائياً؟
يقول السفير، «إنّ الإجابة ليست سهلة، حتى لدى صنّاع السياسات في واشنطن وطهران وبقية عواصم العالم المعنية بالملف الإيراني. لا يتوافر ما يؤكّد انّ هذا الاتفاق ما زال حياً أم أنه مات أو انه يحتضر، ولكن ما يبدو يقيناً في المرحلة المقبلة، هو أنّ ترامب سيلجأ الى إجراءات تصعيدية اكبر، على ثلاثة مستويات:
ـ الأول، مواصلة توسيع حضور الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، والحفاظ على قوتها العسكرية، لمواجهة حلفاء إيران الإقليميين.
ـ الثاني، زيادة العقوبات الاقتصادية على إيران وحلفائها الإقليميين، فضلاً عن تكثيف تطبيق العقوبات الحالية، وذلك من خلال شبكة أوسع من العقوبات الثانوية على الصادرات والواردات الإيرانية التي تتجاوز العقوبات الحالية، وهو ما بدأ بالفعل، مع إعلان ترامب عقوبات على الصلب والألمنيوم والحديد والنحاس.
ـ الثالث، محاولة تأخير تطوير البرنامج النووي الإيراني باستخدام الهجمات الالكترونية، كما حدث في السابق، بما لا يؤدي إلى تصعيد الموقف بمقدار الضربة العسكرية نفسها، ولكن يمكن أن يكون له التأثير المرغوب».
ويخلص السفير إلى القول: «هذا التصعيد المُرتقب، سيؤدي بالتأكيد إلى تصاعد التوترات الإقليمية في الشرق الاوسط، على المستويين السياسي والعسكري. واذا كانت ايران قلقة من المستقبل، إلاّ أنّ اسرائيل هي اكثر القلقين، والدليل في الأمس مسارعة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى القول «إنّ اسرائيل لن تسمح بامتلاك ايران للسلاح النووي، وإنّها ستستمر في قتال من يريد قتلها».