IMLebanon

من معارك الضلوعية إلى الفليطة ودير الزور حرب غير مسبوقة تتبلور نتائجها مطلع الربيع؟!

لا يمكن النظر إلى ما يجري في جرود عرسال، خاصة في منطقة الفليطة، منذ نهاية العام الماضي، بمعزل عمّا يجري في العراق، واستعادة الضلوعية، إحدى أكبر بلدات محافظة صلاح الدين من أيدي «العناصر المسلحة المتطرّفة»، التي تندرج تحت مسمّى «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش)، ولا عمّا يجري في دير الزور، وديما وريف دمشق، وإدلب وصولاً إلى القريتين الشيعيتين في ريف حلب، حيث دارت وتدور معارك قاسية جداً، وفقاً لشهود عيان، بين مسلحي «النصرة» و«داعش» وتنظيمات أخرى مناهضة للنظام، وبين مسلحي «حزب الله» و«الدفاع الوطني» (ميليشيات محلية برعاية النظام السوري) والجيش السوري الموالي للرئيس بشار الأسد.

على طول هذا الخط الساخن، تكتب المعارك الجارية، ليس تاريخ المنطقة منذ العام 2003، تاريخ سقوط صدام حسين (الرئيس العراقي المقتول) ودخول قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بلاد الرافدين، على الخلفية – المفروضة أسلحة الدمار الشامل وملاحقة القاعدة، بل تكتب الخطوط العريضة، لجغرافيا، ثابتة، أو قلقة، ولاستراتيجيات بعيدة أو قريب، ذات صلة بمصالح الشركات الكبرى، والدول العظمى والأخرى الإقليمية..

تتوارى وراء «الجماعات المسلحة» من شمال العراق إلى شرق سوريا ووسطها وشمالها، وصولاً إلى نقطة القلمون، ذات الامتداد الجغرافي الوعر، أو ما يُعرف بالقلمون اللبناني، بما في ذلك جرود عرسال، دول في المنطقة، ودول أخرى داعمة، (تتهم إيران الولايات المتحدة بالوقوف وراءها وتوفير ما يلزم من دعم لها).

ولا تُعيب إيران على نفسها أنها تقف في الصفوف الأمامية، تدعم، وتسلّح وتموّل: في العراق، الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي، والعشائر، والمنظمات الشيعية التابعة للمجلس الأعلى، أو حزب الدعوة، فضلاً عن ميليشات «جيش المهدي» التابع للسيد مقتدى الصدر (زعيم التيار الصدري)، وفي سوريا نظام الرئيس الأسد، والعناصر اللبنانية والفلسطينية، والكردية المقاتلة إلى جانبه في وجه جحافل «داعش» وتنظيمات أخرى على صلة بالقاعدة «كجبهة النصرة»، من دون إغفال كتائب «الجيش السوري الحر» التي تتلقى دعماً إقليمياً ودولياً، مصرّح به، تحت أمرة المعارضة السورية المعتدلة، أو قوى الائتلاف المعارض..

يشكّل نعي حميد تقوي العميد الإيراني، الذي شيّع في طهران بموكب رسمي وشعبي وقيادي كبير خروجاً إيرانياً عن «…….» في ما خص المشاركة في الحرب الدائرة في العراق، وإن تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن دور إستشاري لهذا الضابط في المواقع الأمامية للجيش العراقي، الذي أُعيد بناؤه وتحديث أسلحته بإشراف مباشر من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني العميد قاسم سليماني (المعروف لدى الاستخبارات الأميركية بالحاج قاسم).

على أن التحوّلات الميدانية على الأرض، وتمكّن القوات العراقية النظامية من تحرير أجزاء واسعة من مناطق سيطرة داعش، وإبعاد الخطر المباشر عن العاصمة بغداد، ومقام الإمامين العسكريين، فضلاً عن توفير الحماية لأكثر من ثلاثين مليون حاجاً وزائراً جاؤوا من مختلف أصقاع الأرض، لا سيّما جغرافي الانتشار الشيعي من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان وسواها، في زيارة الأربعين للإمام الحسين، دلّت على أن ميزان القوة على الأرض، أخذ يميل لمصلحة حكومة حيدر العبادي، الذي أتى بع أزمة حكم استمرت لأشهر، وقضت بإبعاد نور المالكي عن زمام القرار السياسي والأمني والحربي والاقتصادي في العراق..

وقتذاك، تزايدت التكهنات، عمّا إذا كان وراء إبعاد المالكي، اهتزاز النفوذ الإيراني في العراق القريب من إيران، والمتداخل معها في أكثر من نقطة حدودية، من الأهواز إلى خراسان، وشط العرب.. إلّا أن تطورات ما بعد إبعاد المالكي، دلّت على أن المسألة الراهنة، بالنسبة للنفوذ الإيراني، مختلفة تماماً، بل زاد النفوذ الإيراني، في هذا البلد، ولكن بما يمكن وصفه بتفهّم من الدول الإقليمية، وغضّ نظر، على الأقل، من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في قوات التحال فالجديد، الذي فضّل تسديد الضربات «لداعش» من الجوّ، وليس على الأرض..

ولكن.. وبصرف النظر عن حجم عدد المستشارين الأميركيين (800 خبير أمني وعسكري أو 1800 لا همّ) العاملين مع الجيش العراقي، فإن تقارير دبلوماسية وأمنية، وصلت من العراق (ويجري تداولها على نطاق محدود جداً) تحدثت عن عمل استخباراتي وميداني يتولاه الحاج قاسم (العميد سليماني) على الأرض، عبر عمليات عسكرية خاطفة من الجوّ، ضد مسلحي «داعش» على الأرض، حيث تتولى طائرات إيرانية من دون طيار، ضرب العناصر المقاتلة، أو ملاحقة العناصر الهاربة، بعمليات تسبق أو تواكب تحرّك القوات العراقية على أرض المعركة، لاستعادة المواقع وتدمير منشآت «العدو» العسكرية، وتحطيم دفاعاته، بما يشبه الإستعادة الممنهجة، التي ت ستخدم فيها الطائرات الإيرانية، صغيرة الحجم، ومن دون طيار، من الجوّ بإشراف مباشر من مجلس الأمن القومي، والقيادة العسكرية الإيرانية، لإبعاد شبح الخطر عن «الأماكن المقدسة» لدى الشيعة، والاستفادة من الضربات الجوية للتحالف، في «تحرير العراق من داعش»..

وفي تقدير هذه التقارير، فإن العمليات التحريرية مستمرة، من أجل دحر «جحافل داعش»، وصولاً إلى الموصل.. كل ذلك بالتزامن مع ضربات موجعة أيضاً يسددها نظام الأسد «للجمماعات المسلحة» على تخوم المناطق الفاصلة بين سيطرة النظام أو خصومه على الأرض، وفي كل المحافظات السورية، من زاوية أن النظام، يستفيد هو الآخر، من التحوّلات الميدانية العراقية، وانعدام الوزن على صعيد «القرار الاستراتيجي» داخل قوى التحالف، لمنع داعش ومثيلاتها، من تحقيق إنجازات على الأرض لمصلحة نفوذها..

من هذه الزاوية بالذات، يمكن النظر إلى ما يجري في نطاق القلمون السوري المفتوح على الحدود اللبنانية، والمطالب التي نقلها الوسيط، من دون تفويض رسمي، الشيخ وسام المصري، من أن «داعش» تطالب بحزام منزوع الأسلحة، يمتد من الطفيل إلى وادي حميّد في جرود عرسال، بما في ذلك أن يكون معبر وادي حميّد، الذي أصبح في عهدة الجيش، مكاناً مسموح العبور عبره من وإلى عرسال وجرودها..

حدّة المواجهة في القلمون بين «حزب الله» و«الجماعات المسلحة» السورية، هو أحد أبعد المواجهة الكبرى بين حلفين كبيرين، يتصارعان على السيطرة على المشرق العربي، من العراق والفرات إلى البقاع والعاصي، وصولاً إلى النهر الكبير شمالاً..

في المعركة هذه، تُستخدم كل الوسائل، المشروعة وغير المشروعة، فالحرب الدائرة، حرب غير مسبوقة، لا في قواها، ولا في وسائلها، ولا في نتائجها.. الأنظار إلى هناك.. أمّا الحوارات فهي شأن آخر.. إلى أن يحين موعد البحث بالرئاسة، في مطالع الربيع المقبل!