هذا الكلام يتردّد على ألسنة جميع المواطنين حتى أصبح الحوار الشيء الوحيد بين الجميع في جميع الصالونات وحتى لو التقى شخصان مع بعضهما البعض، فإنّ الحوار بينهما سيتم إذ يتحوّل كل واحد منهما الى فريق… فريق يقول “ما تصدقوا كل ما تسمعونه” خاصة ما قاله السيّد نصرالله… فهذا كلام لا يُنَفّذ.
وفريق يقول إنّ الحرب سوف تحصل، فإيران سوف تأمر “الحزب” بالقيام بالحرب لأنها بحاجة لتحريك الملف النووي، خاصة وأنّ أوضاعها المالية أصبحت صعبة جداً… وهناك ثورة حقيقية شعبية، فقد قامت أكثر من تظاهرة احتجاجاً على الغلاء، وأخرى لفقدان الأغذية، وأخرى لأهداف أخرى، حتى المحروقات وخاصة البنزين باتت من المواد الدسمة المثيرة للاحتجاجات، والأهم من ذلك كله أنه في الوقت الذي تعاني فيه إيران والنظام الايراني من قلّة المداخيل، نرى ان هناك المليارات من الدولارات محجوزة في بنوك العالم، وتحديداً في أميركا بناء لقرار أميركي نتيجة العقوبات…
فمنذ يومين كتبت عن قمة الحياة وقمة الموت، وأجريت مقارنة بين القمتين…
أعود وأكرر ان محور المقاومة والممانعة ينتهج نهج قمة الموت إذ يبدأ بشعار: الموت لأميركا لينتهي بالموت لإسرائيل، وينتقل من الشيطان الأكبر أي أميركا الى الشيطان الأصغر أي إسرائيل.
في الحقيقة لا أزال أؤمن بأنّ كل هذا الكلام هو كلام بكلام، ولا ننسى كيف نُقِلَ آية الله الخميني من العراق الى فرنسا وتحديداً الى باريس، ليأتي من بعدها الى طهران ويصبح فجأة “الرئيس” أو في الحقيقة أكبر من رئيس، إذ ان الإمام آية الله الخميني هو الذي يعيّـن رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وقد تصل الأمور الى أصغر موظف… وأهم ما يشغل بال المرجعية… الحرس الثوري الذي هو في الحقيقة الأداة التي يحكم آية الله الخامنئي بها الدولة من أولها حتى آخرها.
وأعود من خلال “قمة الموت” الى العلاقات الإيرانية – الروسية التي يعلم الجميع انها كانت تمر بتاريخ طويل من التوتر، لكنّ هذه العلاقات شهدت تنامياً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي، الذي لعبت روسيا دوراً كبيراً وفعّالاً في إبرامه.
وخلال العام الماضي، خطت الدولتان خطوات جادّة في طريق تعزيز أوجه التعاون في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن التعاون على مستوى الأزمة السورية.
إنّ إيران تدرك بطبيعة الحال النيّات الروسيّة من تنمية التعاون معها، فإنّ لديها أسبابها وأهدافها الخاصة لتنمية تعاونها مع موسكو. ويمكن إجمال هذه الأهداف بالنقاط التالية:
أولاً: أتاح الاتفاق النووي فرصة مناسبة لإيران لتحديث إمكانياتها العسكرية التقليدية. وكانت موسكو تطمح دائماً ولا تزال الى أن تشكّل الأسلحة الروسية الجزء الأكبر من مشتريات الأسلحة الإيرانية.
ثانياً: تسعى إيران لإطلاق الإنتاج المحلي للتصدير، خصوصاً في مجال المواد الغذائية. فقد سمحت روسيا في الفترة الأخيرة باستيراد اللحوم ومنتجات الألبان من إيران.
ثالثاً: تهدف إيران من تعاونها مع موسكو الى الاستفادة من الجانب الروسي لتحقيق أطماعها الإقليمية.
رابعاً: لا تزال العلاقات الإيرانية – الأميركية متوترة، لذا تريد إيران استغلال هذه النقطة لتخفيف الضغط عليها.
ولقد شهدت الفترة الأخيرة تعاوناً عسكرياً لافتاً، إذ رغبت روسيا في استعادة مكانتها في سوق السلاح.
في المقابل، فإنّ إيران مهمة لموسكو، خاصة من حيث تجربتها في الالتفاف على العقوبات الغربية. إذ ان إمكانية التداول بين روسيا وإيران بالعملات الوطنية يمكن أن توجه ضربة شديدة لهيمنة الدولار. كما ان إيران تحوّلت تدريجياً الى مركز للنشاط الإقليمي في مختلف المجالات، ما يحقّق إمكانية إقامة توازن كلاسيكي للقوى مع تركيا في هذه المنطقة.
خلاصة القول إنّ هناك جملة آراء بعد قمتي الحياة في جدة وقمة الموت في طهران، تتفق أحياناً وتختلف في كثير من الأوقات، ولكن يبقى السؤال المحوري الأوّل والأهم.. “في حرب… أو ما في حرب”؟
الأيام المقبلة قد تظهر ما هو مستور، وما هو مكتوب على هذه المنطقة…