Site icon IMLebanon

هل مِن حربٍ كبرى مع لبنان… كيف ومتى؟

 

 

ترى مصادر مطلعة على الأوضاع الميدانية في شمال إسرائيل، أنّ عدد القوات العسكرية أصبح أربعة أضعاف ما كانت عليه منذ اندلاع حرب المشاغلة مع لبنان.

طالما كانت الحرب مع لبنان موضع إرباك وتفكير إسرائيليين على المستويات السياسية والعسكرية، وتناقضت الآراء حولها، منها مَن يقول إنّها مستحيلة وضرب من الجنون، ومنها من يقول إنّها ضرورية ومصيرية بالنسبة الى إسرائيل لتعطيل قدرات «حزب الله» واستعادة القدرة أو الصورة الردعية، ومنها من يقول إنّها ممكنة على رغم من أنّها مكلفة. الّا أنّ الجواب الأميركي طالما كان مقروناً بجملة من الأسئلة للجانب الإسرائيلي حول الهدف من لبنان، وعلى أساسه يُحدّد الجواب.

يرى الأميركيون، أنّ هدف القضاء على «حزب الله» سيُدخل الإسرائيلي في المشكلة أو المعضلة نفسها التي يواجهها حالياً في غزة، فهو قضى على غزة ولم يستطع القضاء على «حماس»، بدليل العمليات المتكرّرة والمركّبة التي ما زالت تقوم بها، والمعلومات الواردة من فلسطين تفيد أنّ «حماس» أعادت رصّ صفوفها وأطلقت حملة تنسيب وبلغ عدد المنخرطين الجدد فيها أكثر من 20 ألفاً.

أما إذا كان الهدف إرجاع «حزب الله» الى ما وراء الليطاني، فيقول الأميركيون إنّ هذا الخيار أكثر واقعية من سابقه، الّا أنّه أيضاً يحتاج الى التوغّل البري، وهذا يعني أنّه أمام قتال لمدة طويلة من الوقت على أرض الحزب وفي ملعبه. ويرى المسؤولون الأميركيون أنّ الحرب مع «حزب الله» لمدة طويلة ليست لمصلحة إسرائيل، خصوصاً أنّ إيران لن تسمح بهزيمة «حزب الله»، وذلك يستوجب الدعم المطلق. وتعتبر أجهزة الاستخبارات الأميركية أن تدرّج تدخّل «حزب الله» في حرب إسرائيل ضدّ غزة هو التدرّج نفسه الذي ستستخدمه إيران في الدفاع عنه.

 

تخطّي الخطوط الحمر

قد تلجأ إسرائيل، وأيضاً بحسب المصادر الأميركية، وفي ظلّ ضيق الخيارات السياسية والعسكرية، إلى كسر القواعد والخروج عن المألوف، إلى مستوى اغتيال الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، وهذا أيضاً سيضع إسرائيل تحت ردّ خارج المألوف.

اذاً، احتمال الحرب وإن كان بعيداً بسبب قوة الردع والتوازن بين لبنان وإسرائيل منطقياً، الّا أنّ المنطقة بأسرها قد تخرج عن المسار المنطقي للأمور، خصوصاً أنّ عوامل ضبط الإيقاع دولياً ضعيفة جداً. فالوضع الأوروبي بعد انتخابات الاتحاد الأخيرة وتضعضع الحكومات وصعود اليمين المتطرّف، أدخل الدول الأوروبية في حالة من الانكفاء الداخلي بين انتخابات مبكرة أو إعادة رسم سياسات وتحديد أولويات، وإن كان أيضاً، دخول الولايات المتحدة في مرحلة الجمود الانتخابي أو حتى «الجنون الانتخابي»، قد يعطي ضوءاً أخضر لما كان يُعتبر أنّه محرّم أو محظور، وخصوصاً أنّ إدارة بايدن، الذي تتراجع أرقامه في كل استطلاعات الرأي، قد تغضّ النظر عن شيء من خارج السياق لتغيير المسار الانحداري لحملتها الانتخابية.

أما في شأن الهدنة الإنسانية ثلاثية المراحل، في الأولى تفرج «حماس» عن المسنين والمصابين من الأسرى مقابل ستة أسابيع من الهدنة، والمرحلة الثانية، تفرج «حماس» عن المجندين والمجندات، مقابل هدن لستة أسابيع أخرى، مع بدء تفاوض لوقف تام للقتال. والمرحلة الثالثة الإفراج عن الجثث مقابل ستة أسابيع أخرى يليها وقف نهائي للحرب.

هذا الطرح رفضه نتنياهو خلال المقابلة الأخيرة على قناة 14 الإسرائيلية، حيث أبدى استعداده لهدنة مقابل استعادة بعض الرهائن. لكنه اعتبر انّ استمرار الحرب حتمي وضروي وصولاً إلى القضاء على «حماس»، وفي هذا الموقف، يرفض مقترح مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى نسف كل محاولات مصر وقطر لاستعادة مسار التفاوض أيضا»، وهذه المواقف أتت بعد انتقاد أميركا على بطء الدعم العسكري، وكانت موضع شجب لدى أهالي الأسرى.

 

ما تريده إسرائيل

فحقيقة المآرب الإسرائيلية في غزة في ما يتعلق بـ»اليوم التالي»، تدرّجت من الرغبة في إعادة احتلال القطاع الى خطة تسليم إدارته الى العشائر وهم من الفلسطينيين الموالين لإسرائيل، وأيضاً هذه فشلت، وهي لا تستقيم مع بقاء وجود «حماس». أما الذي يحصل اليوم واقعياً وجغرافياً على الأرض، فهو التركيز الإسرائيلي على ممر «نتساريم»، الذي يشطر القطاع إلى شطرين بممر شرقي غربي. والحدث الثاني الجيو ـ سياسي المهمّ يكمن في نسف ممر «رفح» كلياً واستبداله بممر «ديفيد» في المحور الجديد جنوباً البديل من محور «فيلادلفيا» الحدودي لعزل القطاع كلياً عن مصر. وهذا يؤشر إلى رغبة إسرائيل بالبقاء في غزة في شكل من الأشكال، وهذا خيار غير محسوم الى الآن، نظراً لبقاء «حماس»، وهذا يشكّل عقبة كبيرة في وجه أي مخطط لليوم التالي.

 

في المحصلة، انّ فكرة الحرب مع لبنان ليست نزهة لإسرائيل، نظراً للظروف الواقعية العسكرية والسياسية التي تمرّ فيها: جيش منهك في الشهر التاسع من القتال، وانقسام سياسي لم يشهده الداخل الإسرائيلي في تاريخه، ومجتمع مشتت منقسم يائس نازح يواجه إشكاليات وجودية عن جدوى البقاء في إسرائيل غير مستقرة وآمنة. بالإضافة إلى أنّ الحرب مع لبنان قد تستجلب أكثر من إيران للانخراط فيها، وسط تقارير تسلّط الضوء على الدور الروسي المحتمل، ووسط التطورات والإمداد الغربي لأوكرانيا المستمر والمتصاعد، مما يجعل روسيا طرفاً في أي حرب شاملة أو واسعة في الشرق الأوسط، في اعتبارها امتداداً استراتيجياً للتوازنات على الساحة الدولية، وفي اعتبار انّ روسيا شريك أساسي في المنطقة من خلال التحالفات الاستراتيجية مع دول فاعلة في الإقليم أو من خلال وجودها المباشر في سوريا وكذلك في إفريقيا. مشهد مترابط نعم، ولكنه مركّب ومعقّد حتماً.