لك أن تدير ظهرك للشر، لكن لا أن تهرب أمامه…
هذا القول، بل هذه الحكمة، تتماهى مع واقع الحكومة اللبنانية حيال واقعة انهاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لقواعد الاشتباك المعمول بها منذ العام ألفين بين لبنان واسرائيل، أو بالأحرى بين حزب الله واسرائيل، على اعتبار ان لبنان ملتزم باتفاقية الهدنة المشتركة، أما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فهي خارج الخط الدولي الأزرق، نتيجة الالتباس الحاصل في تبعيتها الوطنية من الجانب الدولي، فهي لبنانية حلاً ونسباً، لكن اسرائيل تقول انها استولت عليها من الجيش السوري عام ١٩٦٧، وسوريا تعترف بتصريحات مسؤوليها، ان المزارع لبنانية بالفعل، وان الجيش السوري تقدم اليها بالاتفاق مع القيادة العربية الموحّدة عام ١٩٦٤، لكن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تستطع إقناع دمشق بتوقيع الخرائط الحدودية الرسمية التي تطالب بها الأمم المتحدة، وتالياً اسرائيل من أجل توثيق لبنانية المزارع بالفعل.
القوى السياسية أدلت بدلوها في هذا الشأن، ١٤ آذار رفضت قرار الحزب، الذي يفترض ان يكون قرار الدولة وحدها، خصوصاً بعدما تظهّر الدور الايراني على نحو غير مسبوق، في هذه المعمعة، تحت عنوان الخشية مما قد يترتب عليه من ردود فعل اسرائيلية تجاه الشعب اللبناني برمته…
و٨ آذار والت موقف الأمين العام للحزب بالصمت حيناً، وبالهمس أحياناً، في حين بقي موقف الحكومة اللبنانية، هو المعوّل عليه من الجانب الدولي على الأقل، في ضوء اعتزام الأمين العام للأمم المتحدة اصدار تقريره الدوري حول تنفيذ القرار ١٧٠١…
موقف الحكومة السلامية واضح لجهة اعتبار عملية مزارع شبعا، التي ردّ فيها الحزب على الخرق الاسرائيلي لاتفاق فكّ الاشتباك في الجولان، طبيعية، باعتبار المزارع أرضاً محتلة، وليست محميّة بالخط الأزرق، وبالتالي من حق لبنان الرسمي أو الأهلي، أن يسعى لتحريرها. ولقد كان الرئيس تمام سلام في غاية الصراحة والايجاز عندما قال رداً على سؤال حول رأيه بعملية حزب الله بالقول مزارع شبعا منطقة محتلة، وان ما حصل لا يشكّل خرقاً للقرار ١٧٠١.
هذا القول سليم من حيث المبدأ، خصوصا وانه جاء بعد عملية القنيطرة الاسرائيلية الاغتيالية الواضحة، لكن ثمة من وجد فيه تغطية من الحكومة ولو بحسن نيّة، للخرق الذي استهدف القرار، ولو من الجانب الاسرائيلي، بمعايير اليونيفيل، التي خسرت أحد الجنود الاسبان.
والمطلوب من الحكومة الآن ان تعطي رأيها باعلان السيد نصرالله إلغاء قواعد الاشتباك مع اسرائيل، الأمم المتحدة تطالب والمجتمع الدولي أيضاً، وقبل هذه وذاك هناك فريق ١٤ آذار الذي يرى ان مزارع شبعا، بلا خط أزرق، والجنوب بلا قرار ١٧٠١، من وجهة نظر اسرائيل على الأقل، والجولان بلا قواعد الاشتباك التي أرسيت بعد حرب ١٩٧٣، وتحت اشراف الاندوف الدولي، وضمنها منطقة عازلة بين الجولان الحر، والجولان المحتل…
عملياً، اسرائيل هي التي أسقطت اتفاق فك الاشتباك أو قواعد الاشتباك عبر سلسلة عمليات خارقة للحدود الجوية، وآخرها عملية القنيطرة، بينما تولى حزب الله اسقاطه رسمياً بالاعلان الصادر عن أمينه العام.
وهكذا بتنا بصدد جبهة مفتوحة من مزارع شبعا الى الجولان، اسرائيل تقصف الجولان، وحزب الله يرد بمزارع شبعا، انها حرب بلا حدود من الجانب الاسرائيلي مقابل مقاومة بلا حدود من جانب حزب الله.
يضاف الى ذلك، ان ثمة مقاومة جاهزة للعمل على جبهة الجولان من عناصر لبنانية وفلسطينية وسورية.
ويبقى السؤال الذي يراود الاوساط الدبلوماسية في بيروت قبل سواها، ماذا ستقول الحكومة في موضوع قواعد الاشتباك التي ألغاها الحزب في جلسة الأربعاء؟
هل ستلوذ بالصمت، أم تجاهر بالموقف المعبر عن المصلحة اللبنانية الحقيقية، أم تتمسك بسياسة ضربة على الحافر وأخرى على المسمار، أو رجل بالبور وأخرى بالفلاحة، كما فعلت في انضمامها الى التحالف الدولي ضد داعش والنصرة، وتمسكت بسياسة النأي بالنفس في ذات الوقت؟
ثمة من يقول الصمت زين والسكوت سلامة بداعي ان الرجوع عن الصمت أقل أذى من الرجوع عن الكلام…
وثمة من يراهن على تفهم المجتمع الدولي لواقع لبنان كالعادة… لكن في الأجواء الدبلوماسية الغربية خصوصاً، ما يوحي بأن تسليم لبنان بسقوط قواعد الاشتباك المعمول بها مع اسرائيل، قد يسقط عملياً قواعد الدعم الدولي للاستقرار اللبناني، المجسدة ب اليونيفيل في الجنوب…
من هنا دقة الخيار…