يخوضون الانتصارات الصغيرة فيما عواصم الإقليم تتدخلّ لضبطهم بأسلحتها التكتية
يشي الحرص الدولي على كبح جماح أي تصعيد في الإقليم، وخصوصا في كل من سوريا وليبيا، أن أهل الحل والربط لا يزالون على دأبهم في تفادي أي إنزلاق سياسي – أمني خطر يأخذ المنطقة الى ما لا تحمد عقباه. ولعل مآلات القمة الروسية – التركية التي أتت على ضجيج قرع الطبل السوري أحد أبرز ظواهر كبح الجماح هذا. ففي المعلومات أن القمة إنتهت الى إتفاق على:
أ- وقف كل الاعمال العسكرية في إدلب دخل حيز التنفيذ منتصف ليل ٥ – ٦ آذار.
ب – إنشاء ممرّ آمن Security Corridor بعمق ٦ كيلومترات شمالا و٦ كيلومترات جنوب الطريق السريع المعروف بـM4 والذي يشكل محورا إستراتيجيا يعبر منطقة إدلب، على أن يتم ترتيب معالم محددة لآليات تشغيل الممر الآمن، بين وزيري الدفاع الروسي والتركي في خلال ٧ أيام.
جـ – بدء دوريات مشتركة روسية – تركية يوم ١٥ آذار على طول الطريق السريع M4 من طرمبة على بعد كيلومترين من تاغرب من سراقب الى عين الهبر.
د – الحفاظ على وحدة الأرض السورية.
يحمل الانطباع الإيجابي الذي انتهت إليه القمة الروسية – التركية بأن ينسحب تطويق التدهور السوري على لبنان
وليس تفصيلا أن يتوصل الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان الى قواسم سورية مشتركة بعد ٩ أعوام من الحرب الضارية، وهو ما دفع «النيوزويك» الى وصفهما بـ«ضامنين دوليين رائدين» في الازمة السورية. ولا يخفى أن مذكرة التفاهم حول إدلب أتت بعد تصعيد وتأزم غير مسبوق بين البلدين وصلا حدّ إتهام موسكو أنقرة بأنها أخلّت بتفاهمات سوتشي (أيلول ٢٠١٨) برفضها تسهيل تفكيك المنظمات الإسلامية من مثل جبهة تحرير الشام، الفرع السوري لتنظيم القاعدة.
ويحمل الانطباع الإيجابي الذي أفتت به القمة الروسية – التركية أملا في أن ينسحب تطويق أي تدهور سوري (إقليمي) على لبنان الذي يمرّ بمخاض يكاد يكون الأخطر على وجوده وكيانيته. يحوطه الإختناق من كل حدب وصوب، في وقت قررت عواصم مؤثرة عربية سحب يدها من مجمل المسألة اللبنانية المعقّدة وفي إعتقادها أن هذا هو السبيل الاسلم لخنق حزب الله ودفع حلفائه بعيدا منه.
واقع الحال ينبئ بأن المواجهة الإقليمية العربية – الإيرانية في لبنان لا تزال قائمة، فيما فريقا النزاع يحقق كل منهما، بين الفينة والأخرى، إنتصارات صغيرة ومحدودة ليس من شأنها أن تحسم وجهة المعركة ونتيجتها، بفعل توازن القوى الحاصل من جهة، وحرص عواصم دولية من جهة أخرى على أن يبقى الستاتوكو اللبناني على حاله، بمعنى أن يطبع الكرّ والفرّ سير تلك المواجهة منعا لتحقيق إنتصار حاسم، كل ذلك لغرض أن يبقى لبنان أحد أوراق التفاوض القائم بخفر في أكثر من محلة ووجهة.
ويبيّن الكرّ والفرّ اللبناني أن القوى الخارجية المحرّكة تُدخل تباعا الى مساحة الصراع المحلي مجموعة من الأسلحة التكتية للحفاظ على الستاتوكو، يتداخل فيه السياسي بالعقابيّ ويختلط فيه الاقتصادي بالأمني، مع ما يحمل هذان التداخل والخلط من مخاطر أي تفلّت أو شطط عن الخطوط الحمر المرسومة بعناية. من هذه الأسلحة التكتية، على سبيل المثال لا الحصر، تتفرع أزمات الاقتصاد المتهاوي والحصار المتمادي والدولار المتفلّت والمصارف المتمرّدة والمحكمة الدولية العائدة منتصف أيار المقبل بعد تغييب. كما تتفرّع من تلك الإسلحة التكتية، خصوصا وتحديدا، مآزق أمراء الحرب المتوجّسين من جدية أي توجه للمحاسبة على ما إرتكبوا من فساد وإهدار وسرقات وتجاوزات على إمتداد الثلاثين عاما الفائتة، غطّوا خلالها السياسات الاقتصادية والمالية العوجاء والبائسة، وأفادوا منها في تمويل أحزابهم (ميليشيات زمن الحرب) تمويلا سياسيا مشبوها، فاقتاتوا من مقدرات الخزينة وجيوب اللبنانيين.
ومن المستغرب في هذا السياق أن يمرّ بخفر إقرار الحكومة مشروع قانون يرمي الى رفع السرية المصرفية عن كل من يتولى مسؤولية عامة بالانتخاب او بالتعيين، وعن كل من يتحمل مسؤولية تنفيذية او رقابية في المصارف والصناديق والمجالس على انواعها والجمعيات السياسية وغير السياسية ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والرقمية، وكل من تتعاقد معه الدولة لتنفيذ التعهدات. ذلك أن المشروع المقرّ، الذي سيُضم حتما الى ما في مجلس النواب من إقتراحات قوانين متماثلة، يضرب أسس الفساد السياسي – المالي وكل أدواته المتقدّمة التي ما فتئ أمراء الحرب في إستثمارها خدمة لمعركتهم المشتركة ضد الدولة وما بقي منها مؤسساتياً.