ثمّة أشياء كثيرة تبدّلت في المناخ السوري غداة استعادة قوات النظام وحلفائها مدينتي تدمر والقريتين في ريف حمص، ويتوقع أن تكون لها تداعياتها في قابل الأيام على الحلّ السياسي للأزمة السورية، والذي يُعمل على إنتاجه من خلال مفاوضات جنيف.
ما إن وضعت معركة تدمر أوزارها حتى طرأت تطوّرات ومعطيات عسكرية ميدانية جديدة على الساحة السورية، أوحت بأنّ خصوم النظام على اختلاف تلاوينهم السياسية والعسكرية في الميدان وخارجه بدأوا هجوماً مضاداً سياسياً وعسكرياً لاستعادة «توازن ما» وجدوا أنه قد اختلّ لغير مصالحهم بعد استعادة النظام مدينتَي تدمر التاريخية والقريتين الاستراتيجية عسكرياً بالنسبة إليهم، ولم يجدوا غضاضةً أو ضيرا لو تمكّنوا من تحقيق ذلك على يد «داعش» وأخواتها حيث تحاول الرد على خسارتها لتدمر والقريتين بمهاجمة مناطق أخرى في ريف دمشق وكذلك في بعض أرياف حلب، بغية السيطرة عليها وتعزيز موقفها العسكري في الميدان.
ويقرأ احد السياسيين المتابعين للأزمة السورية بتطوراتها السياسية والعسكرية في ما حصل إثر معركتي تدمر والقريتين، ما يشير إلى دخول الأزمة السورية في مرحلة من التصعيد الواسع والكبير، لأنّ «داعش» و«جبهة النصرة» وبعض الفصائل المسلحة الأخرى خرَقوا في الايام القليلة الفائتة وقفَ إطلاق النار في حلب واللاذقية بنحوٍ أسقطوا معه كل قواعد اللعبة التي عُمل بها منذ ما بعد القرار بوقف الأعمال القتالية الذي بدأ تنفيذه في 27 شباط الماضي، بحيث إنّهم شنّوا هجوماً شاملاً على مدى كيلومترات واسعة وبغرفة عمليات موحّدة وبمشاركة خمسة فصائل ملتزمة المفاوضات ووقف الأعمال القتالية، وقد اتّبعوا هذا الهجوم بإسقاط الطائرة الحربية السورية بصاروخ دلَّ على وجود قوى إقليمية خلف هذا الهجوم.
ويصف هذا السياسي ما حصل بأنه «تطوّرات خطيرة تثبت حجمَ النيّات المبيتة لدى خصوم النظام من فصائل مسلحة وقوى إقليمية تدعمها، وهو ما سيفرض على النظام وحلفائه ردّاً صاعقاً في الوقت الذي تطرح هذه التطورات سؤالاً عن مصير الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف للحلّ السياسي المقرّرة في مطلع النصف الثاني من نيسان الجاري.
ويعتقد السياسي نفسُه أنّ ما حصل أثّر على مجمل الأوضاع والأجواء السائدة حالياً في المنطقة كلها، وأحدثَ ما يشبه عملية خلطِ أوراق، وكذلك طرح السؤال هل إنّ القوى الاقليمية التي دفعَت «جيش الفتح» وبقيّة الفصائل الى هذا الهجوم على قوات النظام وحلفائها في ريف حلب واللاذقية ومناطق سورية أخرى تهدف الى تطيير مفاوضات جنيف على مسافة ايام من موعدها؟ ام تهدف الى «الخربطة» على التفاهم الروسي ـ الاميركي؟
وبالتالي هل هناك فعلاً تفاهم روسي ـ اميركي في هذا المضمار، خصوصاً وأنّ الموقف الاميركي من الرئيس بشّار الأسد قد عاد الى المربّع الاوّل في الساعات الثماني والاربعين الماضية وكرّر المطالبة بتنحّي الأسد؟
ويرى سياسي آخر متابع للأزمة السورية أنّ القوى الإقليمية الداعمة لبعض فصائل المعارضة السورية اعتبرَت أنّ استعادة النظام لتدمر والقريتين عزّزت من موقعه على طاولة المفاوضات في جنيف وأضعفَت موقف المعارضة، خصوصاً بعد مؤشّرات عدة بَرزت إثر معركة استعادة تدمر ودلّت إلى أنّ النظام الذي استتبع تدمر باستعادة مدينة القريتين التي كانت حلقة الربط بين الرقة والقلمون فالحدود الشرقية اللبنانية – السورية في جرود عرسال ورأس بعلبك وجوارها، ينوي وحلفاءَه استكمالَ المعركة في اتجاه دير الزور فالرقّة، خصوصاً أنّ جبهة دير الزور بدأت تشهد منذ انتهاء معركة تدمر معاركَ بين قوات النظام و«داعش» وأخواتها، خصوصاً مع محيط المطار، وقد أُعلن أنّها استخدمت في إحدى هجماتها على حامية المطار قنابل غاز الخردل، ما يدلّ على أنّ لجوءَها الى استخدام هذا النوع من الأسلحة المحرّمة دولياً، يؤكّد أنّها بدأت تخوض معركة «حياة أو موت» في الوقت الذي تترقّب على الجبهة العراقية هجوماً للجيش وقوات «الحشد الشعبي» على مدينة الموصل لاستعادتها منها ومن كلّ الفصائل المسلحة الحليفة لها.
وفي اعتقاد هذا السياسي أنّ القوات العراقية، جيشاً نظامياً و»حشداً شعبياً»، إذا نجحت في استعادة مدينة الموصل قريباً فإنّ ذلك سيَدفع «داعش» إلى التراجع في اتجاه الرقة ودير الزور، لتكون المعركة الحاسمة ضدّها هناك، ما يعني أنّ الساحة السورية ستكون أمام أسابيع وأشهر حارّة ما قبل الصيف أو خلاله، ويفترض أن يبدأ بعدها طيُّ مرحلة «داعش» ودخول المنطقة في آفاق الحلول السياسية للأزمات الإقليمية، خصوصاً إذا نفّذت الأحلاف الإقليمية والدولية تعهّداتها بالقضاء على «داعش» التي باتت خطراً يتهدّد الجميع في المنطقة والعالم.