يتضح من عدد المشاركين في التحركات في الشارع بأن الأحزاب والقيادات عموماً لم تحسم أمرها بعد. فالمتظاهرون محدودو العدد، بضع مئات حيناً وبضع عشرات أحياناً. وحتى الآن لم يجرؤ أي حزب أن يعلن (علناً) أنه دعا الى حراك هنا أو أنه يرعى حراكاً هناك. ذلك أنّ أي ادعاء من هذا النوع من شأنه أن ينقلب على صاحبه فينكشف شعبياً.
فإذا كان ما يجري في الشارع مجرد «بروڤة» بمثابة تحمية لما سيكون، فإنه مفهوم ومعلوم، ولكن من هي القيادات والأحزاب التي ستشارك في تصعيد الحراك. هناك من هم في السلطة وهناك من هم خارجها. الذين خارج السلطة قدراتهم في تأليب الرأي العام محدودة باستثناء قلة نادرة يتقدمها الحزب الشيوعي الذي بقي قادراً على استقطاب محازبين ومساندين لا يمكن إنكار وزنهم.
وأما الذين في السلطة، والأصح الذين هم السلطة، فهل يعقل أن يتحركوا ضدّ أنفسهم. فهل يُعقل أن نشاهد في الشارع جمهور حزب الله وجمهور حركة أمل وجمهور التيار الوطني الحر وجمهور تيار المستقبل وجمهور القوات اللبنانية وجمهور التقدمي الاشتراكي الخ… وهذه هي القوى التي يشكل منها مجلس الوزراء ومن بعض حلفائها أيضاً.
ولكن ألا تكون هذه المجموعة محرجة في حال أدارت «الأذن الطرشاء» الى صيحات الناس بالمطالب المحقة؟… وأي مطالب؟ إنها ما يرتبط بلقمة العيش أولاً وبمندرجات الحياة… أي كل شيء تقريباً من رغيف الخبز الى صفيحة البنزين، وما بينهما من متطلبات!
الرد على ما تقدم يأتي من غير فريق ممن ذكرنا آنفاً فيجمعون على أن الحراك في الشارع ليست له أي فائدة عملياً.
فالضغط الشعبي مهما اشتد على المسؤولين (ومن ذكرنا جميعهم في المسؤولية) لن يكون في مستوى الضغط الذي تمارسه منظمات وحكومات وصناديق وهيئات تصنيف(…) وبالتالي فإن المسؤولين (والحكومة بأطيافها كافة) يصلون الليل بالنهار بحثاً عن الحلول ويتجهون الى إقرار سلسلة تدابير إصلاحية يطالب بها المجتمع الدولي وأطراف مؤتمر «سيدر»….
ولكن تلك هي المسألة!
فهذه التدابير المسماة إصلاحية والتي تطالب بها الحكومات والصناديق والمؤتمرات الداعمة وأيضاً المصنفون، من شأنها (في الوقت الراهن والمستقبل القريب على الأقل) أن تزيد في طين الأزمة الاجتماعية بلّة… لأنها ستزيد في شدّ الأحزمة وفي تضييق الخناق على الأعناق التي بالكاد تقدر أن تتنفس تحت وطأة الحال الاقتصادية – الاجتماعية الدقيقة!
والمفجع في هذا كله أن هناك أطرافاً وجماعات وسياسيين يتضرعون نهاراً وليلاً لتشتد الأزمة ليس من أجل أن تنفرج، إنما نكاية بمن هم في السلطة.