IMLebanon

محاذير؟!

لا أحد يمكنه أن يكون ضد المصالحة المسيحية – المسيحية كما أنه لا أحد يمكنه أن يكون ضد المصالحة الإسلامية – الإسلامية لأن كليهما في حال سلمت النوايا يصبّان في خدمة لبنان الذي تعب سياسياً واقتصادياً وأمنياً من استمرار الخلافات بين المسيحيين أنفسهم وبين المسلمين أيضاً، ووصل إلى حافة الإنهيار، وسينهار حتماً إذا ما استمرت هذه الخلافات، من دون أن يقدِّر كلاهما نتائجها المدمِّرة على هذا البلد المحكوم أصلاً بالتوافق المسيحي – الإسلامي، وبالتوافق المسيحي – المسيحي والإسلامي – الإسلامي ليصل الجميع إلى التوافق المسيحي – الإسلامي الذي يشكّل بقاء لبنان وديمومته كنموذج للعيش المشترك وللتنوّع والتعددية في هذا الشرق المحكومة بالأحادية واللاديمقراطية.

لكن المصالحة المسيحية – المسيحية والمصالحة الإسلامية – الإسلامية لا تحقّق هذه الغاية المنشودة عندما تخرج عن هذا المضمون الوطني للأهداف التي أنتجتها والتي كانت السبب الأساسي في حصولها بل تتحوّل إلى عكس هذه الأهداف، وإلى إضافة مشكلة بنيوية على التركيبة النموذج سبق أن مرّ لبنان في مثل هذه الحالات من مصالحات مسيحية – مسيحية في الماضي القريب والبعيد، وكانت النتيجة مأساوية على البلد برمّته، بحيث هدّدت الصيغة اللبنانية النموذج وكادت أن تطيح بها، وتطيح معها بالدولة والوطن معاً، لو لم يُسارع الفريقان المسيحي والمسلم إلى إعادة النظر والحسابات، في تلك السياسات ويُسارع كلٌ من جهته إلى إعادة تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح، قبل أن تصل الأمور إلى حدّ اللاعودة.

والذي حصل في معراب من مصالحة مسيحية – مسيحية مرحّب به من الفريق الآخر لكن هذا الفريق نفسه بات يخشى من أن يكون الهدف منه العودة إلى الماضي البعيد والقريب، والذي كاد أن يضع الوطن كلّه في حالة خطر الوجود أو الاستمرار في النزاعات الداخلية بما تحمله من مخاطر على الكيان وعلى الصيغة الفريدة أو النموذج في هذا الشرق، وبات المطلوب من هذه المصالحة أن تتجاوز الذات بل المصالح الطائفية والفئوية وتكون مثالاً للإنفتاح على الآخر بما يحافظ على الصيغة النموذج لهذا البلد، وأولها وأساسها العيش المشترك والتعددية من ضمن الوحدة وإلا فقدت جدواها وتحوّلت على عكس ما هو مرغوب منها، لا سيما وأنها بدت من أول الطريق وكأنها موجّهة إلى الجناح الآخر لدفعه إلى التعامل معها بالمثل، وهنا مكمن الخطر على الكيان، وعلى الصيغة النموذج، وعلى العيش المشترك وعلى التعددية من ضمن الوحدة. فهل المطلوب بعد كل هذه التجارب المرّة التي مرّ بها هذا البلد منذ نشأته وحتى الآن أن يعيش حالة الخوف على المستقبل والمصير أم أن المطلوب هو الإنتقال من صيغة العيش المشترك إلى صيغة الإنصهار الوطني التي تتطلّب أموراً كثيرة أولها التمسّك بالثوابت الوطنية التي باتت معروفة والتي ذهب في سبيل المحافظة عليها العدد الكبير من الشهداء.

وعلى سبيل المثال لا الحصر نُذكّر بموقف وزير الخارجية في اجتماع وزراء الخارجية العرب دعماً للمملكة العربية السعودية وضد التدخّل الإيراني في شؤون الدول العربية، ومن ثمّ موقفه في اجتماع وزراء خارجية المؤتمر الإسلامي الذي عُقد مؤخراً في جدّة. ألا يمثّل هذا الموقف خروجاً على الثوابت الوطنية التي تشكّل أساساً للصيغة اللبنانية؟وألا يطرح هذا الموقف سؤالاً عن علاقة هذا الموقف بالمصالحة المسيحية – المسيحية وإلى ماذا تؤدي هذه المصالحة وكيف يمكن قراءته على الصعيد الوطني بصورة عامة، وعلى صعيد المصالحة المسيحية – المسيحية بصورة خاصة؟ فإذا كانت هذه الخطوة من قِبَل وزير الخارجية هي إحدى النتائج الأولية للمصالحة المسيحية – المسيحية فالمصيبة تكون أكبر بكثير مما هو متوقّع.