Site icon IMLebanon

جملة محاذير تُضيّق الهامش أمام بوتين وحسم النفوذ لن ينتظر الانتهاء من “داعش”

يعتقد مراقبون ديبلوماسيون ان الدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، لم تنتظر الخطابات التي ألقيت أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة، ولا سيما منها ما كان سيحمله خطابا الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك اوباما في الشأن السوري، من اجل ان تحدد موقفها من سوريا. لكن اللافت انها كررته أو جددته في ضوء تعزيز روسيا وجودها العسكري في الساحل السوري واعلانها العزم على دعم بشار الأسد. ارتفع مستوى التحدي في سوريا مع دخول روسيا المباشر والذي جعل المسألة مطروحة على طاولة الدول الكبرى في الدرجة الأولى، علماً أن موقف الدول العربية يمكن أن يضيق الهامش أمام روسيا. فهناك الاعتقاد الذي شاع أن بوتين سجل نقاطاً في خانة الغرب والولايات المتحدة تحديداً عبر انتقاله المباشر عسكرياً الى سوريا، مما جعله يمتلك أوراقاً عدة من اجل مقايضتها، ليس في موضوع اوكرانيا فحسب بل أيضاً في موضوع تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا نتيجة ضمّها القرم، ما دام قد نزع ثوب العزلة الدولية عنه واجبر نظيره الأميركي على التحدث في شأن سوريا وليس فقط في شأن اوكرانيا، وهذا الاعتقاد ينطوي على مقدار كبير من الصحة. الا ان مشروع بوتين من اجل تعويم بشار الأسد واعادة تأهيله لا يبدو قابلاً للحياة ما لم يكن الشرط أو الاقتراح الذي رفعه بمثابة سقف من اجل حض الولايات المتحدة على التفاوض ليس إلا. وهو أمر يعتقد هؤلاء انه قد ينجح في ظل اعتقاد انه لا بد من محاولة التوصل الى حل للحرب في سوريا، ليس لأنها وصلت الى أبواب أوروبا فحسب أو لأنها اضحت بؤرة كبيرة للارهاب وتصديره، بل أيضاً لأن الأمور قد تكون أسهل مع الرئيس الأميركي الحالي نتيجة عدم اكتراثه الكبير بالانخراط في الحرب السورية أو في المنطقة، على غير ما قد تحمله الانتخابات الرئاسية الأميركية السنة المقبلة الى البيت الأبيض، سواء وصل الجمهوريون الى الرئاسة أو بقي الديموقراطيون فيها.

لكن الدول العربية التي امتنعت عن التعليق سلباً أو ايجابا، على رغم الكثير من الكلام الذي قيل عن تعزيز روسيا وجودها العسكري في الساحل السوري، أعادت تجديد مواقفها بقوة اكبر بعد المواقف في الأمم المتحدة. وهذا الأمر سيترك أثراً في ضوء التطورين البارزين الأخيرين، وقد تمثل احدهما بالاعلان عن غرفة عمليات استخباراتية في العراق تضم هذا الأخير وروسيا وإيران والنظام السوري، بما يمهد لتعويمه، لكنه يكشف في الوقت نفسه عن طابع تحالف شيعي اذا صح التعبير. ويقول المراقبون إن هذا كان في اساس التخوف الأميركي في العراق في ضوء الحساسية الفائقة للطابع المذهبي الذي تتخذه التطورات، وهو الذي يدفعهم الى تسليح الأنبار مثلا. فيما يتمثل التطور الثاني في ان تحفظ الدول العربية الى جانب تحفظ المعارضة السورية على انواعها واختلافاتها عن التدخل الروسي واهدافه، من شأنه ان يزيد العداء لروسيا بين ابناء الطائفة السنية. فتحفظ المعارضة السورية أو رفضها يحمل في طياته احتمال تناسي خلافاتها والتحالف في وجه روسيا كما حصل بالنسبة الى التحالف في وجه الميليشيات الإيرانية التي غدت تحارب الى جانب بشار الأسد.

ولذلك، اذا اخذ اقتراح الرئيس الروسي مداه وتم البحث في امكان العمل به فعلاً على سبيل الافتراض جدلاً أنه ربما يؤدي الى وقف الحرب في سوريا، فما هي فرص نجاحه؟

يقول المراقبون إن التطور الذي تمثل في دخول سوريا مباشرة على خط الحرب في سوريا قد يسرع في وضع الحرب السورية على طاولة المفاوضات، لكن من دون الهدفين الأساسيين اللذين يسعى اليهما الرئيس الروسي من خلال اقتراحه تعويم الأسد. اذ ان مساعيه للفصل بين استمرار الأسد ومحاربة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) لن تكون مثمرة.

والمرونة التي أبداها بعض الدول الأوروبية في هذا الشأن تحت وطأة موجة اللاجئين السوريين تزامناً مع الخوف من انتقال الارهاب الى اوروبا، لن تكون كافية وحدها كثغرة ينفذ منها بوتين الى الحصول على دعم لنظريته. كما ان اقتراحه الذي يعني ضمناً ترك بت مصير بشار الأسد الى ما بعد الانتهاء من القضاء على تنظيم “داعش”، بما يعني ترك إمكان البحث في توزيع الحصص والنفوذ في سوريا الى ما قد يستغرق 4 أو 5 سنوات أو اكثر، لا يبدو اقتراحاً قابلاً للعيش أيضاً. فهناك الكثير من المسائل على المحك في سوريا لا تحتمل التأجيل هذه المدة الطويلة، بقطع النظر عن اعطاء بشار الأسد المجال لإكمال ولايته الرئاسية أو لا. اضف الى ذلك ان استعانة الأسد بروسيا من اجل التدخل والمساعدة تعني ان قواته لم تعد قادرة على المواجهة، علماً أنها تتلقى دعماً إيرانياً مباشراً وعبر الميليشيات الشيعية التابعة لإيران. وهو سبق ان وجّه حملات حتى في مناطق سيطرته من اجل التطوع في القوات العسكرية السورية باغراءات عالية، من دون نجاح يذكر. وليس اكيداً اذا كان دخول روسيا على الخط يمكن ان يقنع السوريين بوجود امل للاسد من اجل اعادة التطوع في الجيش السوري لدعمه. ولذلك، وعلى عكس ما قد يذهب اليه البعض، فان الاقتراح الروسي ليس قابلاً لأن يكون هو الحل.