ليست أحوال قوى «14 آذار» على ما يرام هذه الأيام. «التشتت» سمتهم، والانقسام حول خيارات مصيرية للبلاد بات توصيفا واقعيا لحالهم.
يتقاطع على هذه الخلاصة قياديان في تلك القوى: الأول حزبي، والآخر «مستقل»، في ظل أسف شديد من قبلهما لما آل اليه واقع الحال اليوم.
ينطلق تشاؤم القيادي الحزبي من مشهد معراب قبل أيام، عندما طوّب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، على عرش الغالبية المسيحية الشعبية الكبرى، مرشحا فوق العادة لاعتلاء كرسي الرئاسة.
لا يفهم هذا القيادي سبب اندفاعة جعجع ومضيه في خياره حتى النهاية. «لم نكن نستبعد لجوء الحكيم الى هذا الخيار، لكننا لم نكن نتوقع تفجيره هذه المفاجأة في هذا التوقيت الدقيق».
يعود القيادي عند التقاط «14 آذار» لأنفاسها مع اطلاق الوزير السابق ميشال سماحة من السجن. صحيح ان هذا الاطلاق قد وجه صفعة الى تلك القوى، الا انه قد وفر لها فرصة، في المقابل، لإعادة لمّ الشمل والتوحد، حتى ذهب البعض الى اعتبارها فرصة ذهبية للانعتاق من التزاماتها الرئاسية والتخلي عن خيارات بعض قواها بترشيح شخصيتين من قوى «8 آذار» الى الرئاسة، هما، إضافة الى عون، زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية.
لكنها فرصة لم يتم التقاطها، حسب القيادي نفسه. اذ ان قضية سماحة، التي تعتبر «خطا أحمر» لن يتم التراجع عنه، كان من شأنها «لمّ الشمل» قبل أسابيع من الذكرى الـ11 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، ونحو شهرين من ذكرى 14 آذار.
هنا بالذات يأتي استغراب، لا بل «صدمة»، كثيرين في قوى «14 آذار»، لقيام جعجع بترشيح عون الى الرئاسة، وهذا الامر، وان جعل منه «صانعا للرؤساء» كما يبدو انه يحب ان يطلق عليه، الا ان هذا الامر سوف يأتي بنتائج سلبية على «الحكيم» قبل غيره، «إذ ما الذي سيبقى له إذا حل عون زعيما غير منازع على المسيحيين؟».
لا بل ان هذا التحليل لدى قوى وازنة في «14 آذار» يذهب أبعد من ذلك عندما يأسف أكثر لاستعادة جعجع لغة طائفية ودعوته فعليا الى «توحيد البندقية» الذي يعود الى مرحلة الثمانينيات في القرن الماضي، وهي لغة غابت طويلا عن مفردات الزعيم «القواتي»، في ظل خشية من ان يصبح «الحكيم» الضحية المقبلة لهذا الشعار!
من جهته، يتقاطع القيادي «المستقل» في «14 آذار» مع كثير من هذا التحليل، ويسأل بدوره: ما المصلحة في ان يربح جعجع شرائح واسعة في الشارع المسيحي بينما يخسر الشارع المسلم، السني على وجه التحديد؟ ويؤكد ان الحاجة باتت ملحة لاحتواء هذا الانشقاق في الشارع الآذاري، وهي مسؤولية يتحملها قادة قوى «14 آذار» وعلى رأسهم زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري، كما زعيم «القوات اللبنانية».
في هذه الاثناء، تشير مصادر «مستقبلية» الى ان الحريري مستمر في مبادرته الرئاسية التي تمخض عنها لقاؤه الباريسي مع فرنجية، وان كان أي جديد لن يطرأ على المبادرة التي لم تتحول الى مبادرة رسمية، حتى اليوم. أما عون، فإذا كان قد بات مرتاحا مسيحيا بعد ترشيحه من قبل جعجع، فلينزل الى المجلس النيابي لكي تجري الانتخابات الرئاسية بكل حرية، تقول الأوساط «المستقبلية».
لكن هذه المصادر تخشى من ضغوط قد يتعرض لها فرنجية لكي ينسحب من السباق، علما انه سيحصل على اجماع أصوات قوى «14 آذار» باستثناء جعجع. واذا ما حصل ذلك الانسحاب، وهو قرار يعود الى الأخير، فإن «المستقبل» لن يجد نفسه محرجا، وهو سيعتبر الأمر «كيديا» ولا ينم عن ممارسة ديموقراطية. وعندها سيعمد الى مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس، فمن ناحية سيسعى الى تعطيل نصابها، ومن ناحية ثانية سيشهر سلاح «المقاطعة الميثاقية»، وبذلك تفتقد جلسة انتخاب الرئيس الى المكون السني.
من هنا، يبدو ان ثمة جدية كبيرة في مواجهة وصول عون الى الرئاسة، وثمة تعويل «مستقبلي» على الزعيم «الإشتراكي» النائب وليد جنبلاط، وتعويل أقل على الرئيس نبيه بري، الذي تشير الأوساط المستقبلية الى عدم رغبته في وصول عون الى الرئاسة، لكن من دون العيش في أوهام حول إمكانية ذهاب بري الى النهاية على هذا الصعيد.
على ان القيادي «الآذاري» الحزبي يشير الى «عنصر بالغ الأهمية» من وجهة نظره، تغفله التحليلات المتناقلة حول الاستحقاق الرئاسي، بحصرها الكباش الرئاسي بالصراع الإيراني ـ السعودي على لبنان، إنه العامل العربي. ويشير القيادي الى ان هذا العامل سيبدأ فعله اذا ما تيقن من وصول عون الى الرئاسة بعد ترشيح جعجع له، وهو الامر الذي أغاظ العرب خاصة انه جاء بعد البيان عالي النبرة لاجتماع وزراء الخارجية العرب، «والذي خرج لبنان على إجماعه».
وينقل القيادي في هذا الصدد «أجواء عربية» تحذر من «انعطاف لبنان أكثر فأكثر نحو السياسة الإيرانية» في المنطقة، ليخلص إلى إبداء خشيته من مقاطعة عربية للبنان في حال وصول عون الى الرئاسة.