لم تصب التوقعات التي ذهبت الى أن الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة دول خمسة زائد واحد، سيؤشر لمرحلة من الاوضاع الطبيعية في الشرق الاوسط تنعكس هدوءا على الجبهات الساخنة. بل ان التصعيد كان سمة الايام التي تلت توقيع الاتفاق. فالسعودية ألقت بثقلها لاستعادة عدن من الحوثيين في اليمن. وتركيا عاودت حربها على “حزب العمال الكردستاني” تحت غطاء انضمامها المعلن الى الائتلاف الدولي لمحاربة “داعش”. وعادت اسرائيل الى تحريك الجبهة السورية.
وربما كان الدافع وراء هذا التصعيد من دول الاقليم، هو الخوف من ان يمهد الاتفاق النووي لبروز ايران شريكا وحيدا للولايات المتحدة في قتال “داعش”. بدليل كلام رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو عن أنه اذا ما قررت تركيا استخدام القوة فانها قادرة على تغيير موازين القوى في المنطقة. ومن الواضح ان المقصود بهذا الكلام قطع الطريق على أية جهة تفكير في التأسيس لأمر واقع على الحدود الجنوبية لتركيا عبر “وحدات حماية الشعب” الكردية السورية أو لايجاد معادلات سياسية جديدة في الداخل التركي عبر الفوز الكبير لحزب الشعوب الديموقراطي في انتخابات 7 حزيران.
ووجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاحداث التي تلت تفجير سوروج ضالته التي يبحث عنها لاعادة عقربي الساعة الكردية الى الوراء مستغلا التهليل الغربي له بفتح قاعدة انجرليك امام مقاتلات الائتلاف الدولي التي تريد الاغارة على “داعش” في سوريا والعراق. وهكذا بدا ان أردوغان شريك للائتلاف الدولي اسميا في الحرب على “داعش” بينما هدفه الحقيقي تصفية الحساب مع الاكراد.
الى ذلك وجهت السعودية رسالتها الخاصة بعدم الرضا عن الانفتاح الغربي على ايران، من خلال عدن، ومن خلال التأكيد ان ما يهمها في الملف الايراني هو الدور الاقليمي أكثر من الموضوع النووي. وعلى هذا الاساس تصاعدت التوترات الاقليمية من اليمن الى البحرين وسوريا وصولا الى لبنان الذي بدا مهددا بدخول دوامة عدم الاستقرار من بوابة الحديث عن احتمالات استقالة الحكومة.
رسائل التصعيد التي توجهها دول المنطقة عنوانها الولايات المتحدة، ومضمونها الاعتراض على التسليم الأميركي بالدور الاقليمي لايران بعد الاقرار الذي نالته بحقها في تخصيب الاورانيوم في حدود لا تؤهلها لامتلاك قنبلة من الان حتى عشر سنين على الاقل. ومن هنا يمكن فهم صعوبة تقبل الدول المعترضة على الاتفاق النووي، مزيدا من التسليم الغربي بأنه لا غنى عن ايران لمواجهة تحديات المنطقة وفي مقدمها الخطر المتأتي من “داعش” قبل أي شيء آخر. ولكن يبدو ان ثمة أطرافا في المنطقة لا يزال لهم حساباتهم واعتباراتهم الخاصة.