Site icon IMLebanon

حروب في حرب وسوريات في سوريا

 

كان سكوت فيتزجيرالد يقول: أعطوني بطلا وسأكتب لكم تراجيديا. وما أكثر الأبطال الذين جاء بهم قدر سوريا، فصنعوا من دون حاجة الى مؤلف، أقسى تراجيديا على الأرض. تراجيديا ضحاياها سوريون وصانعوها يوظفونها في صراعات جيوسياسية أكبر من سوريا. ولا أحد يعرف متى وكيف تنتهي في حرب بدأت أمس عامها الثامن. لكن الكل يرى ان الحرب حروب متداخلة وسوريا سوريات متباعدة. فما كان صراعا على النظام دخل في صراع اقليمي ودولي على الحصص والنفوذ في النظام الاقليمي والنظام العالمي. وما اختصرته في البدء ثنائية نظام ومعارضة صار تعددية محاور وقوى تقاتل من أجل مصالحها، ولا تتقاتل مباشرة.

ذلك ان روسيا وايران وأميركا وتركيا دخلت الحرب بقواتها وقوات وكلائها، كما تدخلت اسرائيل جوا وبعض الدول الخليجية بشكل غير مباشر. كان القاسم المشترك هو الحرب على الارهاب، لكن اللعبة أوسع بكثير.

ما تولته روسيا وايران هو ضرب المعارضين قبل الالتفات الى داعش والنصرة، لأن الأولوية للحفاظ على النظام. وما فعلته أميركا هو دعم القوات الكردية لاستعادة شرق الفرات من داعش. أما تركيا التي أجبرتها الوقائع على تغيير أهدافها، فانها اكتفت بدخول قواتها شمال سوريا واحتلال منطقة عفرين بحجة انها تحارب الارهاب الكردي. وأما اسرائيل، فان هاجسها الوجود العسكري الايراني ووصول أسلحة متطورة الى حزب الله.

لكن كل شيء بالتنسيق، لا بمعارك بين هذه القوى. تنسيق أميركي – روسي. تنسيق اسرائيلي مع روسيا وأميركا. تنسيق تركي – ايراني مباشرة وعبر روسيا، والخارطة حاليا معبّرة جدا: النظام يسيطر مع روسيا وايران على ٥٧،٥٧% من مساحة سوريا. الكرد يسيطرون بدعم أميركي على ٢٦،٨%. الفصائل الاسلامية تسيطر على ١٢،٧% وتركيا على ١،٩% وفصائل المعارضة المدعومة أميركيا على ١،٩% وداعش على ٢،٩%. أما عدد القتلى، فانه ٣٥٣،٩٣٥ شخصا ما عدا الذين قضوا تحت التعذيب والأسرى والمخطوفين. وأما النازحون في الداخل واللاجئون الى الخارج، فانهم نحو ١٣ مليون انسان، أي أكثر من نصف سكان سوريا.

وعلى مدى سبع سنوات لم يحدث تفاوض جدّي على تسوية، سواء في جنيف أو أستانا أو سوتشي. ولا جرى التخلّي عن الخيار العسكري مع ان الانتصار الكامل فيه مستحيل بالنسبة الى المعارضة بعد الدخول الروسي وبالنسبة الى النظام برغم الدخول الروسي. والكلام على خيارات عسكرية للتوصل الى تسوية سياسية في النهاية هو عمليا للهرب من التسوية. فما يملأ سوريا الآن هو القواعد العسكرية لروسيا وأميركا وايران وتركيا. وما يفرضه الوجود العسكري الخارجي هو تركيبة حلّ جغرافي ولو بشكل موقت.