لا بد أن تأخذ دول عربية أمورها بيدها لحلّ مشكلات عند حدودها تهدّد بالتفاقم والتمدد وبإشعال النار في داخلها، وأن تبادر إلى الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية، من دون انتظار الأميركيين والأوروبيين، لكن بالتنسيق معهم، لأن قدراتها العسكرية محدودة، ولأنها في حاجة الى الدعم الاستخباري واللوجيستي، وربما الجوي والصاروخي.
والمهم أن تتجاوز هذه الدول الموافقة الشكلية لجامعة الدول العربية غير الفاعلة، والتي لم يتخطّ دورها يوماً الإطار النظري، حتى تحولت إلى هيكل فولكلوري أجوف لا لزوم له في الملمات.
وقفت الدول العربية سنوات طويلة تتفرج على كارثة لحقت بدولة عضو في الجامعة، هي الصومال التي تحوّلت إلى دولة فاشلة تحت نظرها، تتنازعها حركات التطرف والإرهاب. وكانت الذريعة التي اختبأ خلفها العرب كلّهم، أن مقديشو بعيدة ومعزولة ولن تؤثر في «الاستقرار»، ولن تقسمنا وتدخلنا في معارك مع وضد، وسنكتفي بتقديم بعض المساعدات الإنسانية وبعض الدعم الديبلوماسي، ونريح ضمائرنا بالإعراب عن قلقنا من مآلات مصيرها المحتملة.
لكن الوضع اختلف اليوم، والزلزال يضرب قلب المنطقة العربية، وتطاول ارتداداته دولاً لا تستطيع البقاء متفرّجة، على رغم تفضيلها ذلك حتى الآن. لكن بقاءها على هذه الحال، يعني أنها تعرّض نفسها وشعوبها للأخطار نفسها التي تعصف في المحيط.
فالحرائق الأهلية والطائفية والمذهبية التي تجتاح العراق وسورية واليمن وليبيا، ليست فقط مستعصية على الإطفاء من تلقائها، بل تجد يومياً مساحات إضافية تلتهمها، فيشتدّ أوارها. وهذا يعني أن وقودها الديني والأيديولوجي والسياسي، قابل للتوسع وقد يجد أرضاً خصبة هنا وهناك عبر الحدود، لا سيما في ظل وجود من يمدّها بوسائل البقاء، وينفخ في جمرها كلما همد.
ولا يعني هذا بالضرورة تشكيل قوة عربية موحدة للتحرك بشكل جمعي، بل يمكن لكل دولة تشعر بخطر ما يعتمل عند حدودها، أن تتدخل بنفسها وبمفردها لدرئه. وقد تسارع دول أخرى إلى إسنادها لأنها تشعر بالخطر نفسه، وهذا ينطبق خصوصاً على السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، في مواجهة ما يحصل في اليمن الملاصق.
ومن المهم ألا يتحول الأمر دعوة مفتوحة إلى إباحة التدخل بين الدول المتجاورة من دون وجه حق، مثلما فعل نظام حافظ الأسد في لبنان على مدى أربعين عاماً، بل أن يتم أي تدخل لأن هناك قرارات شرعية دولية وعربية جرى خرقها، ولأن المقصود بالتدخل حركات إرهابية ومتطرفة لا تعترف أصلاً بالحدود ولا بعلاقات حُسن الجوار.
فالمطلوب من مصر مثلاً، ألا تنتظر كثيراً قبل أن تتدخل في ليبيا، فلا باقي دول شمال أفريقيا العربية تجد نفسها معنية كثيراً بما يجري، بل إن بعضها يعارض أي تدخل ويكتفي بالمراقبة، ولا مجلس الأمن قادر على اتخاذ قرار موحد بسبب انقساماته التي لا علاقة لها بالوضع الليبي، ولا الحروب الليبية المتناسلة ستنتظر أن يحسم المصريون أمرهم قبل أن تخترق النسيج المصري الذي، على رغم مناعته النسبية، ينطوي على ثغرات لا بد من أخذها في الحسبان.
صحيح أن دولاً عربية تشارك في غارات التحالف الدولي التي تستهدف «داعش» في العراق وسورية، لكنها تدرك أن هذه المشاركة لم تعد تكفي، وأن عليها بدء التفكير، منفردة أو مجتمعة، في كيفية تطويرها إلى تدخل بري مباشر يستبق الحريق ويقيم خندقاً عازلاً داخل حدود هاتين الدولتين المحترقتين بنار الحرب الأهلية. فالأردن يملك حدوداً واسعة مع سورية والعراق، وللسعودية أيضاً حدود طويلة مع بلاد الرافدين ومع اليمن، ولن يستطيعا ضمان أمنهما ما لم يبادرا إلى إجراء وقائي.
ففي حال بقي الوضع على حاله، لن يسلم معظم الدول العربية من تبعات الحريق المذهبي الذي أشعلته وأذكته أطراف في المنطقة وجوارها عمداً. وإذا لم يكن ما يحصل مدعاة للتفكير في عمل دفاعي، فلن توجد يوماً أسباب موجبة أكثر. فلتحارب الدول المعنية الإرهاب ورعاته على أراضي الجوار، قبل أن تضطر قريباً الى محاربتهم على أرضها.