حروب الآخرين على اللبنانيين، حلّت مكانها انتفاضة الحاضرين لبناء دولة الغائبين عن البلاد.
قبيل العام ١٩٧٥، استسلم الجميع للمداخلات الغربية، في الشؤون اللبنانية.
القوى اللبنانية الاتجاه والتوجّه، واجهت مداخلات الفلسطينيين، وبدأت موجة التسلح وشراء السلاح.
والقوى اليسارية والاسلامية، استعانت بسلاح المقاومة، وراحت بدورها تتسلّح، وكانت الحرب.
والثورة الفلسطينية كانت ثورات.
ثورة أبو عمار، وثورة جورج حبش، وثورة نايف حواتمه، وثورة أحمد جبريل.
وكان لكل ثورة وجوه وأعتاب.
وبدأت بعد ذلك، حروب أخرى قوامها الرئيس حافظ الأسد، وفي الجهة الأخرى وقف ياسر عرفات بوجهه.
إلاّ أن القوى اللبنانية، تجزأت بين مسيحيين يتعاطفون حيناً مع الرئيس السوري، وأحياناً مع الزعيم الفلسطيني.
وكذلك الأمر بالنسبة الى القوى الثورية والاسلامية بزعامة الأستاذ كمال جنبلاط.
في تلك الحرب ازدادت المخاوف، خصوصاً بعد بروز قوى مسلحة، هاجمت الفنادق واستولت على الثروة المالية والذهبية في المصارف.
في تلك الحقبة، وقع الاجتياح التركي للقسم الشرقي من قبرص، واحتفظ القبارصة اليونان بالقسم الغربي.
وظلّ القبارصة الأتراك يحتفظون بالقسم التركي بزعامة رؤوف دنكطاش، في حين أرغم القبارصة اليونانيون على مغادرة قبرص التركية، والأقامة في مخيمات نصبت لهم تحت الأمطار.
وظلّ المطران مكاريوس رئيس الجمهورية القبرصية يقود القبارصة اليونانيين، على الرغم من مؤامرات حيكت عليه وعلى زعامته.
وعندما زار وفد لبناني الجزيرة، وهبطت طائرتهم في مطار لارنكا استقبلهم الرئيس مكاريوس، وحذرهم بقوله ان القبرصة بدأت في نيقوسيا، وستمتد الى لبنان.
وبادرهم، وهو يودّعهم: حذار من قبرصة لبنان.
عندما هبطت الطائرة المقلّة للوفد اللبناني في مطار بيروت، كان اليسار اللبناني بقيادة كمال جنبلاط يقود تظاهرة في ٢٢ تشرين الثاني ١٩٧٥ من أمام مقر أميركان لايف على طريق المطار، نزولاً الى ساحة البرج.
الا ان القبرصة كانت قد انتقلت الى بيروت من نيقوسيا.
***
بعد ذلك حلت هدنة حرب السنتين، وكانت بداية المناعة الداخلية على الحرب الخارجية، أو سميت يومئذٍ بحرب الآخرين على لبنان.
والحرب، أرخت سدولها، لتتجدد بعد ذلك، من دون الاهتداء الى هدنة طويلة.
ولعل السوريين كانوا يتدخلون ويتداخلون في كل شيء، الى ان انتهت حروب الفلسطينيين بخروج المنظمات من لبنان.
أربعون سنة مرت على ذكرى الحرب، والشعار باقٍ: تنذكر ما تنعاد.
بعد الحروب الطائفية والسياسية يجد لبنان نفسه أمام حروب من نوع جديد، قوامها الصراع بين الطائفة السنية الاسلامية، والطائفة الشيعية الاسلامية.
والبلاد بلا رئيس جمهورية منذ نيّف وعشرة أشهر.
الا ان ثمة حواراً قائماً بين الجميع، خصوصاً بين تيار العماد ميشال عون وتيار الدكتور سمير جعجع.
الحوار صعب والمماحكات طويلة، ومع ذلك، فان الحوار مستمر، والزعماء من الاطياف جميعاً يسعون الى تغليب التفاهم على التحجر.
لا أحد يقوى على الباطل.
لكن الصالح يحتاج الى وقت طويل، والى طول باع، للخلاص من الفساد.
ونشدان التوافق أبرز من ضياع الصراع، لأن لبنان لا ينتصر الا برؤى ناضجة وتفاهم واع لأبعاد الحقبة.