هل سيكون 4 تشرين الثاني – نوفمبر موعداً محسوماً لاشتعال «أم الحروب»، بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران؟
«الردح» الذي ارتفع رصيده إلى أعلى المستويات بين واشنطن وطهران، يجعل من الحرب نتيجة حتمية، خصوصاً أن الأولى ستُجبر الثانية على «ابتلاع» نفطها حتى الثمالة، وأنّ السلاح الوحيد لوقف عملية الخنق هو في خنق تصدير النفط وغيره عبر مضيق هرمز. باختصار: «اخنقني لأخنقك»!
مسكين الرئيس حسن روحاني. أراد أن يحمي «ظهره» من «السكاكين الطويلة» في الداخل الإيراني، فكشف «صدره» أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب. بذلك انتهى بأن لا يكون مع «أحد» بخير. المرشد آية الله علي خامنئي، دفع إلى التصعيد، وحمّل روحاني كامل مسؤولية المواجهة وكأنّه يعمل بإرشادته وليس العكس هو الصحيح. أكد خامنئي أنه «إذا لم تتمكن إيران (في 4 تشرين الثاني – نوفمبر) من تصدير نفطها فسوف لن يتمكن أي بلد في المنطقة من تصدير نفطه»، وذلك كما قال الرئيس روحاني. بهذا ترك خامنئي مسؤولية الحرب إذا وقعت والتراجع على عاتق روحاني.
قبل أن يخرج من حالة الصمت التي فرضت عليه طوال سبع سنوات، عمل روحاني في إدارة مركز أبحاث يُعتبر الأفضل بين مراكز الأبحاث الإيرانية، لذلك يعرف جيداً أن إقفال مضيق هرمز هو كما اللعب بـ«الروليت البلجيكية» وليس الروسية أي أن المسدس يكون ملقّماً بكامله وليس برصاصة واحدة تترك للحظ مجالاً ليُنقذ اللاعب نفسه. إقفال مضيق هرمز ممنوع على إيران وغيرها. في الماضي هدّد جمال عبد الناصر بإقفال «باب المندب» فدفع ثمن تهديده حرباً إسرائيلية بدعم ورعاية أميركا ووقوف الاتحاد السوفياتي متفرّجاً وربما على الأرجح شريكاً من الخارج في الحرب التي أنتجت كارثة هزيمة حرب الخامس من حزيران – يونيو.
مشكلة طهران الكبيرة أنّ الرئيس الأميركي حالياً «تاجر» لا يتراجع عن مواجهة التهديد بمثله حتى ولو اضطر إلى وضع كل بضاعته أمام النار، لأنه يعرف جيداً أن هذه النار غير قادرة على حرق كل ما يملك بعكس خصمه، الذي بسبب بعض نجاحاته في محيطه أصبح يقول: «وإن العمق الاستراتيجي الإيراني (روحاني هو الذي تفاخر بهذا) يمتد: شرقاً إلى شبه القارة، وغرباً إلى البحر المتوسط وجنوباً إلى البحر الأحمر، وشمالاً إلى القوقاز».
مثل هذا التضخيم في الموقع الجيوستراتيجي حتى ولو كانت الجغرافيا قد فتحت المنافذ لإيران على هذه العوالم لا يسمح بأن يجعل من إيران «أسوأ» في مواجهة «النسر» الأميركي. «النسر» لا يتعامل مع «الذنَب»، وإنما مباشرة مع «الرأس». وفي هذا أخطار ضخمة لا داعي مطلقاً لخوض تجربتها. فإذا كانت إيران قد خاضت حرباً مع عراق – صدّام حسين استمرت ثمانية أعوام واضطر الإمام الخميني إلى «شرب كأس السم» لإنهائها فكيف مع أميركا؟!
تكاد حفلة «الردح» الترامبية – الخامنئية، لأن روحاني خاضع للملقّن أولاً وأخيراً، لن تنتهي بحرب واسعة تماماً كما أن حفلة «زرّي أكبر من زرّك» بين ترامب وكيم جونغ أون انتهت بقمة بعد أن خال الجميع أن مسألة «الكبس» على الزر النووي لم تعد تتطلب أكثر من إشارة. السؤال هل يستيقظ العالم على إعلان موعد قمة أميركية – إيرانية؟
ليس الأمر بسهل كما حصل مع كوريا الشمالية. رغم أن خامنئي يتمتع بالسلطة المُطلقة، إلا أنه لا يشبه الزعيم الكوري كيم الذي لا يناقش أحد في كوريا الشمالية قراره. في طهران يوجد صراع لم يعد سراً بين «أجنحة» كل واحد منها له حضوره ونفوذه وطموحاته. لذلك حرب «السكاكين الطويلة» تجري علناً، وكلّ مَن في طهران يعرف أسرارها، ومن ذلك لماذا صَعّد روحاني المواجهة الكلامية مع واشنطن.
مشكلة إيران، ليست كما كوريا الشمالية. الحل في التخلي عن الاتفاق النووي على غرار تخلي الزعيم الكوري كيم عن السلاح النووي. كوريا «أسيرة» لجغرافيتها الضيّقة، في حين أن إيران أصبحت «أسيرة» لجغرافيتها الجيوسياسية التي مدّدتها ووسّعت شعاعها بكل ما تملك على قاعدة: «إنّ أفضل سلاح للدفاع هو إبعاد الأعداء أو الخصوم عن الحدود». يتبيّن الآن أنّ الحروب الناعمة والخفيّة، تخترق كل الحدود وأن لا رحمة فيها.
من الواضح الآن أنّ عملية واسعة لإشعال هذه الحروب ضد إيران تجري على قدَم وساق. وأن ما استخدمه «النظام الخامنئي» من «أسلحة» من دمشق حتى صنعاء يجري حالياً استخدامه ضدّها. المعركة التي وقعت مع تنظيم «بيجاك» الكردي وسقط خلالها 11 قتيلاً من «الحرس الثوري» وغيره، إلى جانب المعارك القديمة والمتجددة في منطقة بلوشستان تؤكد التوجه الخارجي نحو استثمار السلاح القومي – المذهبي ضد إيران. الإعلان عن مقتل الإيرانيين الأحد عشر ركّز على أنهم جميعهم من السنّة الذين قتلوا على أيدي السُنّة الأكراد. وذلك لإدانة «بيجاك» كردياً وسنّياً.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدو مصمماً على «قصقصة» التمدد الإيراني وليس تدمير إيران أو «كسر ظهرها» كما حصل مع العراق وسوريا. السؤال الواقعي هل يقبل «النظام الخامنئي» تقديم هذا التنازل الذي يعني مباشرة سقوط كل المشروع «الخامنئي» الذي اقتضى سنوات من الجهود والمال والتضحيات البشرية؟
ردود الفعل الرسمية على مطالبة ترامب الإيرانيين بأن «يحترسوا مع كلامهم المختل»، يدل على محاولة لاستيعاب ترددات الوضع وعدم الانجرار نحو «أم الحروب». سلامة إيران مسألة أمن قومي، والإيرانيون مهما بلغ خطابهم من علوّ في مفرداته الأيديولوجية الإسلامية ومهما التزموا تعلّقهم بـ«العمامة»، فإن سلامة إيران تتقدم على كل شيء. هكذا حصل مع الشاه الذي تخلى عن العرش وعن مشروعه بأن يكون «شرطي المنطقة» عندما تأكّد أن الحرب الأهلية خطر يطال وجود إيران كلها.