Site icon IMLebanon

حَربان  

 

يحملُ اللبنانيون همّاً مضاعفاً في الأزمة الناجمة عن فيروس كورونا، ليس لقلة التدابير الاحترازية، فهذه جيدة عموماً وذات مستوى عالمي ملحوظ، إنما كون هذا الفيروس حلّ ضيفاً ثقيلاً على لبنان في عزّ تفاقم أزمته المالية التي تحوّل معها اللبنانيون الى شعبٍ دقّ الفقر أبوابه بقوة، وأسقطت القلّة القليلة منه التي كانت لا تزال طبقةً وسطى ودفعت بالأكثرية إلى ما دون حدّ الفقر، وبات العَوَز سمةً من سمات هذا العصر اللبناني في بلدٍ عَرف مراحل عديدة من العمران والإزدهار.

 

لذلك كانت هذه الوافدة الخطرة شديدة الوطأة على وطننا فسرعان ما اكتشف أهله أنهم ضحية كذبة كبيرة ومن نوع «الليرة بألف خير». والأدهى أن الإمكانات لمواجهة النتائج الكارثية للأزمة الإقتصادية الإجتماعية لم تعد متوافرة حتى في الحدود الدنيا.

 

يحدث هذا وقد ضاقت السبل أمام لبنانيي الانتشار وبالذات أولئك المقيمون في بلدان الخليج وكانوا يزوّدون أهلهم في المنعطفات الصعبة بما يساعدهم على الصمود. إلا أن الأوضاع الإقتصادية في تلك البلدان لم تعد كما كانت عليه قبل بضع سنوات، ولم تعد التحويلات المالية في مستواها السابق. إضافة إلى أنّ الأعمال شبه معطلة خصوصاً في زمن الكورونا، وبالتالي فالمرتّبات والتعويضات ألغيَ بعضها كلياً وجرى اجتزاء البعض الآخر…

 

يتوافق ذلك مع أوضاع المصارف عندنا التي باتت الودائع فيها في وضعٍ حرجٍ بعدما سُحب الكثير منها وأودع في المصارف الخارجية. وجرى تقنين السحوبات عبر ماكينات الـATM، وزاد الحجر الصحي في الصعوبة، علماً أن التقنين لا يزال عند الحدّ الأدنى بالرغم من الوعود والتدابير التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ.

 

إلا أن أكثر ما تعذّر تنفيذه هو تحديد سعر الدولار الذي أسقط العملة الوطنية إلى حدود مذهلة، ولن يتوقّف هنا، بل يزداد ضغطه المتواصل على الليرة من دون أفقٍ منظور. لدرجة أنّ أحد الخبراء في هذا الشأن يتوقّع أن يبلغ سعر العملة الخضراء في السوق الموازية حدّ الخمسة آلاف ليرة… وليس هناك ما يلجُم هذا الصعود الذي ينعكس بوحشية على معيشة الناس في وقت قضى فيروس كورونا والتزام الإجراءات الوقائية على فسحات الأوكسيجين الطبيعية من تنقلات وزيارات متبادلة ولقاءات وترفيه إلخ.

 

فوق هذا يتوقّع علماء الإجتماع أن تتبدّل الحياة الإنسانية في الآتي القريب، لأنها بعدَ فيروس كورونا لن تكون كما قبلَه بما فيها عاداتنا الإجتماعية والإنسانية المميّزة. في أيّ حال، تلك هي قاعدة ما بعد الحروب إذ تتغيّر العادات والتقاليد والطبائع. وما نشهده اليوم في العالم الذي نحن منه هو حربٌ صحيةٌ بالغة الخطورة يُنتظر لها أن تُصيب ما بين أربعين وستين مليون إنسان. تُضاف إليها الحرب الإقتصادية التي تُشَنّ على الشعب اللبناني وقد بدّلت، وستبدّل أكثر، نمط حياتنا في هذا البلد المُعذّب.