الحكم الذي أصدره المجلس العدلي أمس في قضية إغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميّل جاء، في تقديرنا، ليقفل هذا الملف الحسّاس وإن متأخراً جداً. إذ لم يكن جائزاً، على الإطلاق، أن تستمر هذه القضية الوطنية الكبرى عالقة في القضاء طوال 35 عاماً (1982-2017). وقد لا يكون الظرف ملائماً لإستعادة الأسئلة حول السبب في هذه الجرجرة الطويلة رغم مرور العهود وتعاقب الحكومات، بدءاً بعهد الرئيس الشيخ أمين الجميّل الذي دام ست سنوات من دون أن تتحرك القضية. ويبدو أنّه كان لابدّ من وصول الجنرال ميشال عون الى الرئاسة لتعود القضايا الكبرى مثال: إقرار الموازنة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وإنجاز التشكيلات والتعيينات، وإقرار قانون إستعادة الجنسيّة الى اللبنانيين المتحدرين في دنيا الإنتشار (…) الى الحكم في استشهاد البشير. وكل من هذه المسائل والقضايا كبيرة الى أبعد الحدود. ولعلّ الفضل في إنجازها يعود (إضافة الى سيد العهد) الى وجود الرئيس سعد الحريري، أيضاً في السراي الكبير رئيساً للحكومة.
ولا نتوقع أي تداعيات للحكم تتجاوز بعضاً من الأخذ والرد. فإقفال الملف قضائياً يجب أن يمهّد للتهدئة وليس للإضطراب. وإذا صحّت المعلومات المتوافرة فإنّ الحزب القومي هو أيضاً ليس في وارد التصعيد، خصوصاً إن الحزب لم يكن متحمساً لتبني الإغتيال وتحمل مسؤوليته. حتى إن حبيب الشرتوني، نفسه، إدعى انه نفذ من ذاته وليس بقرار حزبي.
وليؤذن لنا، بدورنا أن ندّعي، أنّ الحقيقة وراء إغتيال الرئيس الشاب هي في مكان آخر. وفي الوقائع التي تناهت إلينا يمكن الإشارة اليها (باختصار شديد جداً) في النقط الآتية:
أولاً – لا شك في أن حبيب الشرتوني هو الذي نفذ عملية الإغتيال. وهذا أمر مسلّم به، ولا خلاف حوله.
ثانياً – لاشك في أنّ التنسيق كان قائماً بين الشرتوني ونبيل العلم الذي يؤكد الحزب القومي وفاته جراء المرض، بينما لا توجد في الدوائر اللبنانية الرسمية أي وثيقة تثبت الوفاة.
ثالثاً – لا شك في أن الحزب القومي لم تكن له علاقة (تنظيمية – حزبية) بالإغتيال…. وإن كان الشرتوني والعلم ينتميان اليه.
رابعاً – لدينا رواية كاملة (قد ننشرها ذات يوم) حول المؤامرة الدولية الكبرى وراء الإغتيال. فيما المنفذ لم يكن في أجوائها على الإطلاق.
خامساً، وفي هذه النقطة، فإن القرار إتخذ في «حلف وارسو» (التابع للإتحاد السوفياتي أيام استعار الحرب الباردة)… وفي المعلومات وقائع كاملة ودقيقة حول الإجتماعات التي عقدها ضباط ومخابراتيون كبار من حلف وارسو، وضعوا خلالها مخطط إغتيال الشيخ بشير(…) بدعوى أنه كان سيعطي للحلف الأطلسي موقع رادار متقدماً في جبل الباروك يكشف ويشرف على الشرق الأدنى كله ! (…).
وتبقى كلمة مختصرة جداً: بشير الجميل كان «غير شكل» عن النمط السياسي المعهود… ومن لا يعرفه عن قرب لا يعرف كم كانت شخصيته فذة، ونادرة، واستثنائية.