IMLebanon

هل كان من هواة الإستقالات أم رجل حوار ومبادئ

هل كان من هواة الإستقالات أم رجل حوار ومبادئ

هذه هي قصة الندم على العزوف

والأسباب مرشحة للتكرار والازدياد!!

ثمة سؤال كبير، يعيش من عهد الى عهد. هل كان الرئيس فؤاد شهاب من هواة الإستقالة من رئاسة الجمهورية، أم كان عسكرياً صلب الارادة، يلجأ الى الإستقالة من الرئاسة الأولى، لانه يضيق ذرعاً بالحكم، أم انه استنتج بعد سنوات، ان الحاكم لا يمكن ان يحكم البلاد بالأساليب الديمقراطية وان النظام البرلماني، هو أكذوبة سياسية لا حقيقة سياسية.

الساعة الأولى والدقيقة العشرون، بعد ظهر الأربعاء الواقع فيه، العشرون من تموز ١٩٦٠، فاجأ رئيس الجمهورية السياسيين بحدث لم يتوقعوه. فقد رأس جلسة لمجلس وزراء حكومة احمد الداعوق في صربا، وعلى اثر ارفضاضها أعلن ان الرئيس شهاب وجه كتاباً الى رئيس مجلس النواب صبري حماده يبلغه فيه انه قرر تقديم استقالته من رئاسة الجمهورية، واقرن كتابه بتعيين قائد الجيش اللواء عادل شهاب مكانه.

هل يقدم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على خطة مماثلة اذا ما انتصبت امامه العقبات وتعذر عليه اعلان مبادئ الجمهورية الجديدة، وهو حتى الآن أمضى أكثر من ستة أشهر، في معاناة رهيبة. مع السلطة السياسية، من دون انجاز قانون انتخابي جديد، والبلاد على مرمى حجر من أمرين اثنين:

أما الموافقة على تمديد ثالث للمجلس النيابي الحالي، أو الخضوع لإرادة الطبقة السياسية الراهنة، والتحول الى مجرد رئيس تقليدي للبلاد. أم يلجأ الى ما يتيحه له الدستور ويقرر الحكم بأساليب جديدة تحرره من رتابة السلطة الراهنة.

في العام ١٩٦٦، سأل مرجع لبناني كبير، الرئيس فؤاد شهاب عن لغز استقالته ودوافع تراجعه عنها، وما اذا قد أعد لخلافته الشخص المناسب، فأجاب، وهو يحاول اشباع فضول محدثه: كنا ثلاثة، بشارة الخوري، فيليب تقلا وأنا نحتفظ بهذا السر، الآن أصبحنا أربعة. لكن، عدني من هذه اللحظة أن لا يكون ثمة خامس. رد بالإيجاب، فقال الرئيس شهاب: كنت متيقناً باستمرار من ان ضميري سيكون حراً يوم يكون في وسعي ان أعيد لبشارة الخوري بريقه واستحقاقه والموقع الرئاسي الذي أقصي عنه، على نحو غير عادل العام ١٩٥٢، وبعدما قررت انهاء ولايتي أوفدت الأستاذ فيليب تقلا اليه لإطلاعه على الأمر، والطلب منه أن يكون مستعداً للحلول مكاني في رئاسة الجمهورية، ذلك، لأنني اعتقد انه هو المؤهل لخلافتي.

بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء في صربا، انتقل الى منزله من دون أن يستقبل أحداً، لانه لا يريد ان يعرف أحد، انه دخل في مرحلة الإعتكاف، بعد مدة استدعى غابي لحود رئيس الشعبة الثانية، وسأله: هل يتعاطى الجيش السياسة، فرد لحود: غصباً عنه لكن، ما هو الحل؟ فرد بان الاستقالة ليست حلاً. ما هو البديل؟ وأجاب: لن أترككم، سيأتي الشيخ بشارة الخوري رئيساً، وأنا تكلمت معه في الأمر، وسأظل الى جانبه مستشاراً لشؤون الجيش.

وفي وقائع كتاب جمهورية فؤاد شهاب للكاتب نقولا ناصيف مع مقدمة سياسية للوزير فؤاد بطرس انه قبل ظهر ذلك اليوم، وقبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، كان فيليب تقلا قد عاد من الكسليك ومعه جواب بشارة الخوري، انه يرى انكم الوحيد المؤهل لخلافته في رئاسة الجمهورية.

قبل أن يعود فيليب تقلا الى جونيه من مقابلة بشارة الخوري، كان الرئيس قد استقبل ضباطاً كباراً في الجيش، أذن بدخولهم عليه. كانوا اميل بستاني وجميل الحسامي وغطّاس لبكي وشوقي غلمية وخطّار حيدر وداود حمّاد ومنير حمدان ويوسف عبود. هرعوا اليه بعد تلقيهم نبأ الإستقالة. جمعهم فؤاد شهاب على الشرفة الزجاجية، وسمع منهم مناشدة بالعودة عن قراره. بعد لحظات حضر فيليب تقلا. أومأ له الرئيس بملاقاته في صالون البيت. اختليا عشر دقائق تبلّغ خلالها موقف بشارة الخوري الذي قصد في وقت لاحق، وأطلع البطريرك الماروني بولس المعوشي على رفضه استقالة رئيس الجمهورية، واستطراداً الحلول مكانه.

أضاف الرئيس المستقيل: أنا مقتنع كلّياً بأن مهمتي انتهت، وأن المتبقي من العمل يمكن استكماله طبيعياً وسيكون ذلك سهلاً، ويمكن أن يأتي بعدي رئيس يملك ثقة البلاد. للتوّ بدا أنه أعدّ سلفاً مخرجاً لاستقالته هو انتخاب بشارة الخوري خلفاً له.

عندما تجمّع النواب في بيته خاطبهم قائلاً: كلكم يعلم أنني رفضت عام ١٩٥٢ منصب رئاسة الجمهورية، لأنني لا أريد أن أقحم الجيش في السياسة. وبعد حوادث عام ١٩٥٨ أُرغمت على ترشيح نفسي لرئاسة الجمهورية، وأُرغمت تالياً على القبول بهذه المسؤولية انقاذاً لبلادي التي كانت تتخبّط في أزمة حادة. ومنذ اللحظة الأولى صمّمت على أن أستقيل من منصبي حالما تعود الحياة الى مجاريها، لأنني أريد أن يبقى الجيش بعيداً من السياسة. واليوم وقد انتخبت البلاد مجلساً نيابياً جديداً يمثّل النزعات والإتجاهات المختلفة، وأنا لا أحب السياسة وهي بعيدة عني.

قاطعه إذ ذاك نواب، فطلب ريمون إده من صبري حمادة كتاب الاستقالة وقال للرئيس: هذه الاستقالة لم تُسجّل ونعتبرها كأنها لم تكن.

وسحبها صائب سلام من مظروفها في يد ريمون إده، سائلاً النواب: موافقون على إحراقها؟

ردّوا: احرقها.

تقدّم ألبير مخيبر وأحرق كتاب الإستقالة على نار ثلاث شموع في شمعدان بسبب انقطاع التيار الكهربائي نتيجة إطلاق نار شارك فيه الأهالي والجنود. بدا الرئيس مصراً على التنحّي، قائلاً للنواب: أنا مقتنع بأنه يجب أن استقيل.

ولعلّ اللافت ان كتاب الاستقالة الذي أحرقه النواب، هو النص المطبوع على آلة كاتبة ارسله الرئيس شهاب الى صبري حمادة، مذيّلاً بتوقيعه، فيما احتفظ بمسودّته في وثائقه الخاصة.

كان أبرز المتحلقين حول رئيس الجمهورية حلفاء له وخصوم حينذاك: صبري حمادة وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وبيار الجميل وريمون إده وصائب سلام، الى نواب آخرين كألبير مخيبر وعدنان الحكيم وعبد العزيز شهاب وخليل الخوري وجميل لحود وعثمان الدنا.

بعد الإستقالة، دار حديث بين الرئيس شهاب واحد النواب الذي سأله: هل يعزو تنحيه الى نوبة قرف. فأجابه: هذا صحيح. لقد تبيّن لي انني لا أستطيع أن أنفذ كل ما أريد من اصلاحات، وبعد استشارة كبار رجالات القانون في فرنسا، ومن بينهم العالم الدستوري موريس غارسون، تبين ان الحق معي، ان رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يفعل شيئاً. وهو يملك ولا يحكم، لأنه مقيد بالدستور وبالقوانين والإعتبارات التي يعرفها الجميع.

ويستعين الكاتب جورج نقاش، وهو وزير سابق بكتاب المؤرخ الفرنسي اموراي دوريا نكور، ويقول فيه في العام ١٩٥٨ ان بعض الديمقراطيات تنتهي بان تنتج هي السلطة. وبحسب صاحب الاوريان ووزير الأشغال في حكومات فؤاد شهاب، انه يجب التمييز بين القيصر والطغيان.

ولاحظ ان الديكتاتورية ليست حادثاً تاريخياً، ولا نظاما نشأ عن عنف مورس ضد الشعب ولا استيلاء على السلطة، بل هي نقيض ذلك، وتطور بطيء على نحو يجعل شعوباً حرّة تتخلى ارادياً عن حزبها وتضعها في يد قائد.

ويقول اموراي دوريا نكور ان ليس قيصراً مَن أراد ان يكون قيصراً، لكن الشعب جعله كذلك رغما عنه، في مراحل الازمات حيث القيادة الجماعية لامة تبدو مستحيلة، لان ممثلي الامة يضعونها في يد ربّان واحد.

بعد طي صفحة الاستقالة بدأت مرحلة جديدة. فقد استقالت حكومة أحمد الداعوق، وخلفتها حكومة رأسها للمرة الاولى في ذلك العهد الرئيس صائب سلام، كانت تلك المرة الاولى التي يرئس فيها الزعيم البيروتي حكومة، بعد محاولة احجم عن استكمالها في ١٧ ايلول ١٩٥٢، عندما كلّفه بشارة الخوري تأليف حكومة ثلاثية، لكنه أحجم.

يروي الشيخ ميشال بشارة الخوري الحاكم السابق لمصرف لبنان بعض مضمون الرسالة التي ارسلها فؤاد شهاب الى الشيخ بشارة الخوري، فيقول انه لم يرفض الحلول محل الرئيس شهاب في رئاسة الجمهورية، بل لاحظ ان وصوله غير متاح وغير ممكن، نظراً الى الظروف التي خرج بها من الحكم العام ١٩٥٢.

في الاول من آب ١٩٦٠، تألفت حكومة صائب سلام من ١٨ وزيراً، وكانت الأكبر عدداً منذ أولى حكومات الاستقلال، وخرجت على نسق ادرجه رئيس الجمهورية في الحكومات الثلاث القليلة العدد فلم تتجاوز ثمانية وزراء.

لقد راعى فؤاد شهاب في المرحلة الجديدة، من عهده، التوازن المنبثق من البنية السياسية لمجلس النواب المنتخب، فقد عادت الطبقة السياسية ورجع الى الحكم زعماء تقليديون اسقطهم كميل شمعون في انتخابات العام ١٩٥٧. هكذا أظهرت حكومة صائب سلام تراجعاً عن الصورة الجديدة للسلطة الاجرائية في السنتين المنصرمتين.

إلا ان الرئيس صائب سلام استقال في ١٦ أيار ١٩٦١، وأعاد الرئيس تكليفه في السنة نفسها، وكانت خاتمة التعاون بين فؤاد شهاب وصائب سلام.

كيف أقرّت تعويضات مالية للسادة النواب، وكيف أصبحوا يتناولون مساعدات دورية؟

يُروى في هذا المجال، ان مشروع قانون بهذا الصدد عرضه نائب رئيس مجلس النواب منير أبو فاضل على رئيس الجمهورية سليمان فرنجيه، فطلب هذا الأخير تجميده وحفظه في الادراج، وفي ذكرى الاستقلال لفت أحد الضباط المرافقين لرئيس الجمهورية، إلى توقف سيارة أجرة في باحة قصر بعبدا على مسافة من المدخل ترجل من السيارة عجوز يتكىء على عكاز كان الرئيس خالد شهاب. بعدما هنأ الرئيس سليمان فرنجيه بالذكرى سأله الاخير هل ان سيارته مقطوعة أو خربانة، فرد في بساطة انه لا يملك مبلغ شراء سيارة أو الانفاق عليها. سكت الرئيس وأوعز الى الضابط المرافق بعدما ابتعد عنه خالد شهاب، دفع اجرة السيارة العمومية وصرفها وتحضير سيارة الرئاسة الأولى. عندما همّ الرئيس خالد شهاب بالإنصراف تفقد السيارة فلم يجدها. قيل له انها انصرفت. سأل من حاسب السائق كي يحاسبه فلم يُفد. دقائق دعاه رئيس الجمهورية كي يستقل سيارة الرئاسة التي ستقله إلى منزله في الناصرة. على اثر استقبالاته توجه الرئيس فورا الى مكتبه وأخرج القانون المجمد من جاروره ووقعه، وطلب نشره في الجريدة الرسمية. كان خالد شهاب الذي توفي في ٧ تموز ١٩٧٨ رئيساً لمجلس النواب عامي ١٩٣٥ و١٩٣٦، ونائباً أعوام ١٩٢٧ و١٩٢٩ و١٩٣٤ و١٩٣٧ و١٩٦٠، ووزيراً عامي ١٩٢٧ و١٩٤٣، وترأس الحكومة عامي ١٩٣٨ و١٩٥٢. عُرف عنه تحبيذه التوجه الى مكتبه، عندما كان رئيساً للبرلمان، بالترامواي توفيراً على خزينة الدولة نفقات انتقاله.

بعد مدة طويلة عاد الشهابيون الى نغمة التجديد لفؤاد شهاب، وارسلوا اليه الوزير السابق فؤاد بطرس لاقناعه بما دأب على رفضه.

عندما زاره هذا الاخير، فاجأه فؤاد شهاب في منزله الصيفي الكائن في عجلتون، انت آتٍ لاقناعي.

رد بالايجاب.

فقال شهاب: هل نسيت اتفاقنا السابق على عدم الترشيح؟

أجابه: لنكن صادقين ومنسجمين مع ذواتنا. انا أعرف ما كنا اتفقنا عليه هو عدم الترشح. شرح فؤاد بطرس وجهة نظر الشهابيين، وسأله عما ينبغي له فعله مع الجماعة، أي مع الشهابيين.

عقّب الرئيس السابق: الوضع دقيق جداً، ونحن مقبلون على مرحلة وأحداث خطيرة ودقيقة جداً في لبنان وفي محيطنا. وستكون أمامنا صعوبات ومشكلات سياسية وعسكرية قد تضطرني الى استخدام الجيش. عندئذ سيعارض رئيس الحكومة – أياً يكن – ويرفض على غرار ما حصل مع سواي وتتكرر الازمات الداخلية. ورغم صلاحياتي الواسعة كرئيس للجمهورية، الا انها لن تسمح لي بمواجهة هذه الاحداث. إذ ذاك سأجد نفسي كرئيس للجمهورية وقائد سابق للجيش مربكاً وعاجزاً عن التصرف مما يسيء الى صورتي لدى الناس، فهل تريد لي انهاء حياتي السياسية بفشل كهذا؟ الأفضل أن لا أترشح.

وقال أيضاً: إذا كانوا مقتنعين بترشّحي، وبأن في امكاني ان حكم، ليعدّلوا الدستور حتى يكون في وسعي التصرف ومواجهة المفاجآت والمصاعب التي أتوقعها.

رد فؤاد بطرس: ما يطلبونه تعديل الدستور في الاتجاه المعاكس، أي تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لا تعزيزها.

قال الرئىس: أعرف. لذلك أطرح الموضوع على هذا النحو. لن أترشح، وهذا أحسن لي.

عقّب فؤاد بطرس: أنا مقتنع بصحة توقعك مستقبلاً أسوأ من اليوم. لكنك ترشّح.

ينقل وزير الداخلية السابق سامي الخطيب عن العميد انطون سعد، عندما عين هذا الاخير رئيساً للمنطقة العسكرية في جبل لبنان في عهد الرئيس شارل حلو قوله ان المخيمات جمرة على قلبي، الله يسترنا منها من زنار البؤس الذي ينمو باسم الفقر، ويضمر لنا شيئاً آخر.

ونشأت عن الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئىس الوزراء أزمة حكومية لا سابق لها استمرت أكثر من سبعة أشهر. بعد استقالة حكومته في ٢٥ نيسان ١٩٦٩، أعاد الرئيس شارل حلو تكليف الرئىس رشيد كرامي تأليفها، فأحجم بذريعة اصراره على التوصل الى اتفاق بينهما على موقف الحكومة اللبنانية من الكفاح الفلسطيني المسلح على الاراضي اللبنانية، ولم تتألف تلك الحكومة الا بعد أيام من توقيع إتفاق القاهرة، في ٢٥ تشرين الثاني.

ويورد كتاب: جمهورية فؤاد شهاب الرئيس السابق استنتج، وهو يصغي الى المنادي بعودته الى الحكم ان المؤسسات الدستورية والوطنية التي خبرها في ولايته أضحت أضعف من مواجهة سلسلة التقلبات والتحولات التي ضربت لبنان وجواره. لم يعد الدستور صمام أمان النظام الموشك على الانهيار، ولا الصلاحيات تمنح الرئيس السلطة والامكانات على جبه المفاجآت. استيقظت لدى المسلمين مجدداً نبرة المطالبة بالمشاركة في الحكم وتصويب التوازن السياسي الداخلي، وتعاظمت لدى المسيحيين مشاعر طائفية حادة بررت الخوف على الذات والكيان من التهديد. لم يعد الرئيس يجد في الجيش الذي تنهكه صداماته العسكرية مع الفدائيين الفلسطينيين الصورة التي عرفها فيه، وهي قدرته على فرض الامن وبسط هيبة الدولة. فقدت الشعبة الثانية الكثير من طاقاتها في الامساك بزمام السيطرة على كل الاراضي اللبنانية، وضعفت شبكاتها وتراجع وصولها الى المعلومات بعدما اخرجت من المخيمات الفلسطينية.

كانت هذه المعطيات في صلب قرار الرئيس السابق العزوف. عندما وضع قانون الانتخاب من اجل استعادة التوازن السياسي والتمثيلي بين الزعماء اللبنانيين داخل مجلس النواب، واختبر به انتخابات عامي ١٩٦٠ و١٩٦٤، لم يخطر في باله ان القانون سيُغرق المسيحيين، والموارنة خصوصاً، في تحالف انتخابي تحمله المشاعر الطائفية الى صناديق الاقتراع كي تستهدف الشهابية بالذات لا خصومها واللوائح المنافسة. وعندما وضع برامج اصلاحية وخطط تنمية متدرجة ينفذ بعضها بين عامي ١٩٦٤ و١٩٦٨.

لم يكن فؤاد بطرس وحده، من حض فؤاد شهاب على الترشح مجدداً. قصده أيضاً قائد الشعبة الثانية المقدم غابي لحود قائلا له: ان الجميع في حاجة اليك لان الحِمل ثقيل.

وأجابه: يا بني، الحِمل ثقيل علينا كلنا، لا أنا ولا سواي سيكون قادراً على تحمل عبء ما ينتظر البلاد.

يكشف العميد ميشال ناصيف في لقائه الاخير به في ٢١ نيسان ١٩٧٣، أي قبل أربعة أيام من وفاته ان الرئىس فؤاد شهاب اسر له بأمر ندم عليه، قال أنا نادم على عدم ترشحي للرئاسة العام ١٩٧٠ عوض أن أوجه رسالة العزوف كان ينبغي أن أعود الى الحكم ربما كان في وسعي أن أقوم بعمل ما. ربما لم نكن قد وصلنا الى ما وصلت اليه البلاد.

هل ما يجري من تباينات حول صيغة قانون جديد للانتخابات النيابية، يقود الى حوار جدي حول أسس غائبة عن النظام الديمقراطي.

لا أحد يملك جواباً على هذا السؤال سوى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لانه وحده القادر على ردم الهوة الفاصلة بين النظام الديمقراطي والسلطة المتمترسة خلف نواب انتخبوا في ظروف مغايرة لطبيعة الحكم.

ربما، يعود الخطأ الى النظام السوري، الذي حكم البلاد وتحكم بالعباد. وهو غير النظام المصري الذي قاده الضباط الاحرار بقيادة جمال عبد الناصر.

ويعود ذلك الى كثافة الفكر السياسي الذي أراد جمال عبد الناصر أن يسود في عصر الملكية السياسية، ودور الملك فاروق في السلطة، والترف القيادي الذي تمثل بأحزاب سياسية عاصرت السلطة المصرية من أيام سعد زغلول الى عصر القيادات المتزمتة في نظرتها والممارسة الى ما حاول الضباط اليساريون ترشيحه. الا ان قيادة جمال عبد الناصر اختصرت تباينات ظهرت على الطريق عندما حاول اللواء محمد نجيب زعيم الضباط الاحرار بالنيابة التغيير السياسي في أيام عبد اللطيف البغدادي والمشير عبد الحكيم عامر.

ربما كانت الثغرة الأساس، في سوريا القسم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، وجنوح النقيضين: الأحزاب اليسارية في دمشق والذهنية الحادة في الممارسة السياسية، ابان حقبة الضباط الأحرار بعد افول نجم القيادات التقليدية في الجمهورية العربية المتحدة، لان وجود جمال عبد الناصر طغى على أساليب حكم صبري العسلي وشكري القوتلي وخالد بكداش في دمشق.

طبعاً لكل فريق أسبابه، ولكل حزب مفاهيمه الخاصة والعامة.