تعاني عائلات الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عبّاس بدر الدين بصمت من الألم والظلم بسبب تغييب الأحبّة الذي فرضه عليهم قسراً الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي منذ العام 1978. غير أنّ هذه القضية ذات الأهمية الكبرى بالنسبة للوطن عموماً، والطائفة الشيعية خصوصاً، لا يزال يلفّها الغموض رغم مرور نحو أربعة عقود عليها، وما زالت الأسباب مجهولة لاعتبارات عدّة أهمّها حجم المؤامرة على الصعيد الدولي والإقليمي وشبكة المصالح القابضة على زمام الأمور، ما جعل القضية تبقى مجرد ذكرى يُحتفل بها كل عام، في حين لم يتمّ اتهام القذافي سوى بالكلام من دون اتخاذ إجراءات جدية ضده، ولم تجد لها بالتالي حلاً لا على الصعيد السياسي ولا الأمني ولا القضائي، فبقيت شماعة للمكاسب السياسية الى حين مقتل القذافي.
وإذ حاول الإبن البكر للشيخ يعقوب، النائب السابق حسن يعقوب بعد كل هذه السنوات من «التغييب» الليبي وكذلك الداخلي للقضية، على ما تقول أوساط العائلة، كشف مصير والده من خلال تحرّكات فعلية بدأها على الأرض بهدف الضغط الداخلي على لجنة متابعة قضية الإمام الصدر ورفيقيه، كما على المجلس العدلي ضمن آليات القضاء اللبناني وغير ذلك… جرى بعد ذلك توقيفه بتهمة خطف نجل معمر القذّافي (المسؤول الأول والأخير عن اختطاف والده) هنيبعل القذافي، منذ 77 يوماً من دون أدلة شافية، وهو لا يزال حتى الآن يقبع في سجن روميه وقد ذُيّل ملفه بأنّه «ملف سياسي».
والسؤال الذي يُطرح هنا من قبل بعض المقرّبين من يعقوب: كيف يتمّ توقيفه نحو ثلاثة أشهر رغم عدم وجود الأدلة الثابتة التي تدينه؟ ولماذا كلّ هذا التعنّت رغم وضوح المظلومية على هذه العائلة التي بدأت بتغييب الشيخ يعقوب مع الامام الصدر منذ 38 عاماً، والإصرار اليوم على استمرارها من خلال اعتقال ابنه حسن بدون أدلة؟
واللافت في قضية الإمام الصدر ورفيقيه، تفرّعها الى قضيتين اليوم، على ما تقول اوساط العائلة، هما: تغييب من جهة، وتوقيف من جهة أخرى. علماً أنّ من يُتهم بأنّ يعقوب اختطفه أخيراً ليس شخصاً «بريئاً ومسالماً»، إنّما هو مطلوب من قبل الأنتربول الدولي استناداً الى النشرة الحمراء الصادرة عنه بحقّ القذافي وجميع أفراد عائلته. وصحيح أنّه كان لا يزال طفلاً يوم وقوع الحادثة، غير أنّه تبوأ فيما بعد مناصب مهمة إبان حكم والده، وبات من الحلقة الضيّقة المحيطة به، وبالتالي فإنّه من المؤكّد على اطلاع على الجرائم التي ارتكبها والده بحقّ الكثيرين ومنها جريمة اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه.
من جهة أخرى، يبدو من خلال مشاهدات بعض المتابعين أنّ معاملة هنيبعل القذافي، الموقوف لدى فرع المعلومات والذي لم يتمّ حتى الآن تسليمه الى الأنتربول، من قبل القضاء اللبناني، ما دام تمّ القبض عليه، على خير ما يُرام وأفضل بكثير من التعامل مع إبن البلد تضيف الاوساط، الذي لحق به وبعائلته الظلم منذ 38 سنة جرّاء تغييب والده من قبل نظام القذافي، ومحاولات «تغييبه» عن الساحة من قبل بعض الجهات الداخلية.
في المقابل، منذ اليوم الأول لتوقيف يعقوب، بدأت عائلته ومناصروه بالتحرّك في الشارع، وبشكل دراماتيكي احتجاجاً على الظلم الذي لحق به، فأقفلت طرق حيوية مثل طريق المطار وضهر البيدر مرّات عدّة، وقامت بمحاصرة قصر العدل ومنزل المدعي العام التمييزي والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وكان الخطاب فيها شديد اللهجة ومرتفع السقف، وصولاً الى حراك نسائي لوالدة يعقوب في مسجد الصفا من خلال اعتصامها فيه نظراً لرمزيته إذ سبق أن اعتصم فيه الإمام الصدر في وقت من الأوقات. غير أن اعتصامها هذا بسبب توقيف نجلها البكر حسن، وإصدار مذكرة توقيف بحقّ نجلها الثاني حسين، وإضرابها عن الطعام لم تحرّك ساكناً باستثناء وضعها الصحي الذي ساء ما استدعى نقلها الى المستشفى. وتعتب العائلة هنا على الكثيرين من الذين كان عليهم أن يتعاطفوا مع زوجة فقدت أب أولادها من أجل قضية وطنية تعني جميع الطوائف، ويساندوها ويعتصموا معها من رجال سياسة ومثقفين، وكأنّه لم يعد هناك وفاء في هذا البلد. واكدت اوساط العائلة أنّ كلّ ما سمعته من بعض المراجع الشيعية العليا التي قصدتها هو أنّ «ابنها مظلوم»، ونقطة عالسطر.
وبدلاً من التفاف القادة الشيعة على هذه القضية وتسريع إطلاق سراح يعقوب، نجدهم لا يولونها أي أهمية، على ما تضيف الأوساط نفسها، بل ربما حاول بعضهم «تغييبه» عن الساحة الى حين لكي لا يعود يرفع لواء كشف الحقيقة مجدّداً، تاركين للمصطادين في الماء العكر فرصة تشويه سمعة هذه العائلة بنشر الأضاليل والإفتراءات.
وبطبيعة الحال، فإذا كان يعقوب قد خطف هنيبعل القذافي فعلاً، وما زال ملفه يخلو من أي أدلة ملموسة على هذه التهمة، فلأنّه ينتظر إمساك خيط يقين يوصله الى معرفة ما حصل مع والده منذ 38 سنة على حد قول اوساط العائلة، وهو الشيء الوحيد الذي قد يُقدّم له معلومة ما يتلهّف للحصول عليها، وقد لا يتفهّم أي شخص شعوره إلا إذا وضع نفسه مكانه، وهو لا يُحسد على هذا الأمر، فلماذا تتمّ «معاقبته» اليوم من أجل شخص مطلوب من القضاء الدولي؟!
وربّ قائل أنّه لو كان حسن يعقوب قد خطف هنيبعل وقام بتسليمه للأنتربول الدولي لكان حصل منه على مكافأة، بدلاً من توقيفه من قبل القضاء في بلاده، ووضع ملفه جانباً الى أن يحين موعد إطلاق سراحه. وتسأل الاوساط لماذا حصل هذا الأمر مع النائب السابق يعقوب، وأين هم قادة الطائفة الشيعية التي ينتمي اليها، ولماذا لم يتحرّكوا لرفع الظلم الذي لحق بعائلة يعقوب مرتين؟ ولماذا لم تتصرّف المرجعية السياسية التي وصفها يعقوب في مؤتمر سابق بأنّها «الضمانة لعدم الانحراف والظلم» على ما كان يأمل منها؟
فلماذا يتم استهداف عائلة يعقوب بالذات، تتساءل اوساط العائلة، هل لانه يتابع قضية والده المغيب بانفتاح وشفافية وصدق بغية كشف الحقيقة، في حين تبقى الامور غامضة رغم مرور كل هذه السنوات، واسقاط نظام القذافي ثم مقتله، وصولاً الى توقيف عبد الله السنسوسي (رئيس الاستخبارات الليبية آنذاك) والتحقيق معه، وخروج غالبية الذين كانوا مفقودين او مغيبين في السجون الليلية؟