بعد «أوعا خيّك» و «موج المارد»… ستنزل الى الأسواق قريباً أغنية أخرى ضمن إطار التكريس «الفني» المستمرّ للمصالحة بين «التيار الوطني الحر» و «القوات».
أهمية «الإصدار» الجديد أنه سيأتي بعد معارك البلديات الطاحنة التي لم تتوقّف عند حدّ هزّ عرش «تفاهم معراب»، بل أظهرت قدرات خارقة لدى العونيين في «التقمّص» على أكثر من لائحة في الوقت نفسه، حتى وصل الأمر الى حد وقوف نائب بوجه آخر.
لا يزال أهل «التفاهم» يرحبّون بهذا النوع من المحفّزات ويشجّعون عليه لتسويق «منتوجهم» التوافقي، حتّى ولو كادت الانتخابات البلدية تطيحه. يقول مَن واكب التجربة البلدية للفريقين: «نحن حلفاء ولسنا تابعين لبعضنا البعض، وهذا يبرّر كل التمايزات».
جونيه نموذج فاقع يحاول أصحاب العقول الباردة، في الرابية ومعراب على حدّ سواء، التخفيف من حدّة تداعياته: كان سمير جعجع من أشدّ الداعين الى التوافق، كما عاد وأكد أمس، وحين فشل قرّر أن لا تنزل «القوات» بثقلها الى عاصمة كسروان. أما في الرابية فتبشير دائم بأن مشروع الوئام المسيحي لا يزال بخير حتى لو خرج «الجنرال» من جونيه بشعار «أنا قدّ الكل»، وفي الحدت ضربة قاضية أصابت القواتيين بالعمق.
لا شك في أن نتائج الصناديق البلدية ستقود عون وجعجع الى إجراء مراجعة ذاتية لمكامن الخلل النافرة، هذا إذا لم تبدأ أصلاً. مشكلة «التفاهم» أنه أشعر كثيرين بأن الرجلين سيخرجان من ساحة المنازلة البلدية مع كمّ فائض من المآخذ المتبادلة والاتهامات الموثّقة الى حد إعادة عقارب الساعة الى الوراء.
عملياً، تخلخلت دعائم «التفاهم»، لكنها لم تسقط. المفارقة أن العدوى وصلت الى الخنشارة مسقط رأس ملحم رياشي، عرّاب «تفاهم معراب» مع إبراهيم كنعان، التي كان يفترض ان تقدّم النموذج الأكثر سطوعاً لما يعنيه التحالف العوني ـ القواتي، لكن هنا تحديداً لم تنفع كل الوساطات من عون الى جعجع وجبران باسيل وكنعان والاكليروس وصولاً الى عضو المكتب السياسي في «التيار» ناجي حايك.
تواجه العونيون والقواتيون في أكثر من مكان.. والخنشارة، التي اقترع 1300 من أبنائها، لم تشذّ عن القاعدة بالرغم من رمزيتها السياسية.
ثلاث لوائح: الأولى برئاسة رئيس البلدية انيس سماحة ومدعومة من «جزء» من التيار وبشكل أساسي المرشح عن المقعد الكاثوليكي في المتن جورج عبود وفي الظل كنعان، الثانية لائحة المجتمع المدني وهي مدعومة من «القوات» ورياشي خاض معركتها سياسياً لدى عون وجعجع، والثالثة مدعومة من «الكتائب» و «القومي».
في نهاية اليوم الانتخابي فازت لائحة رياشي غير المكتملة، مع خرق بعضوين (هما المقعدان الشاغران أصلاً على لائحة رياشي) من لائحة «التيار». الفارق في الاصوات بين رئيس اللائحة الفائزة (822 صوتاً) ورئيس البلدية أنيس سماحة (447 صوتاً) كان معبّراً، تماماً كما خسارة «القومي» و «الكتائب».
يفترض بـ «قصة الخنشارة» أن تعطى كدروس خصوصية في «النكسات» التي أصابت «تفاهم معراب».
تدخل ابراهيم كنعان بكل بلديات المتن، تقريباً، من دون أن يخرج بغلّة دسمة. حاك التحالف البلدي «الآمن» في الجديدة، مسقط رأسه، فقدّم التزكية لانطوان جبارة أحد رجالات ميشال المر، ثم عاب على زميله نبيل نقولا التحالف مع المر في جل الديب. هناك سقطت اللائحة المدعومة من كنعان ورئيس هيئة القضاء هشام كنج.
نتائج سن الفيل، وبالرغم من التحالف البلدي العريض بين «التيار» و «القوات» بوجه نبيل كحالة المدعوم من المرّ، شكّلت نكسة لكنعان شخصياً.
اكتمل مسلسل الإحباط بصعوده الى الخنشارة. هناك سقط التوافق، فأبقى على دعمه للائحة رئيس البلدية و «هيئة التيار» المحلية وللمرشح جورج عبود. الأخير لم يتردّد بالقول: «ثمن جونيه دُفع في الخنشارة».
أما ملحم رياشي فقارب البلديات «على القطعة». دخل أولاً على خط مفاوضات مخاتير بيروت. عشاء السوشي في منزل الصحناوي الذي زاره رياشي بتوجيه من سمير جعجع، يرافقه كنعان، وبحضور عماد واكيم، انهى أزمة مخاتير بيروت، لكنه مهّد لأزمة أكبر أفرزتها لاحقاً صناديق الاقتراع. أطلّ ايضاً بصمت على بلدية زحلة، لكن معركته الأمّ كانت في الخنشارة.
عملياً، وطوال أسابيع التفاوض حول بلديات المتن، كان التنسيق بشكل اساسي يتمّ بين كنعان وآدي ابي اللمع من جانب «القوات». ركّز رياشي جهده على تأمين الحماية السياسية لللائحة المدعومة من «القوات»، فيما تولى شقيقه عبدالله رياشي مفاوضات تركيب اللائحة.
تحدّث رياشي بداية مع كنعان قائلاً له إنه بالحدّ الأدنى يجب أن يترجم «إعلان النيات» في ضيعته الخنشارة، لكن ابراهيم لم ينجح في مسعاه لأن «تيار» الخنشارة رفض الامر. ثم «طلبها» من ميشال عون بترك الحرية للناخبين العونيين بالتصويت الحرّ وبالترشّح بشكل شخصي وليس باسم «التيار».
الوزير جبران باسيل دخل على الخط أيضاً فأوفد ناجي حايك الى البلدة في مهمّة التوفيق بين «التيار» و «القوات» فواجهته السقوف العالية، لكن ذلك لم يمنع الحايك من تكرار لازمة «بأن في الخنشارة صديقا لميشال عون اسمه ملحم رياشي». بالنتيجة، صوّت العونيون «على مزاجهم وحرّيتهم»، فكان الربح من نصيب رياشي.
قبل يومين عقدت جلسة مصارحة وغسيل قلوب بين كنعان ورياشي مع اتفاق على «طيّ صفحة الخلاف وفق ورقة إعلان النيات»، بعدما تكفّلت الخنشارة بتوتير الأجواء بينهما. وسط ذلك، ثمّة من حاول إيصال رسالة مشفّرة الى عون وجعجع مفادها «لقد عاد الوئام الى علاقة رياشي وكنعان، لكن إذا نجح مشروع إفشال التفاهم المسيحي بين الجنرال والحكيم، فإن العواقب عليهما لن تكون فقط من الأخصام بقدر ما ستأتي من جانب المسيحيين أنفسهم.. فاحذرا الخطيئة».