لم يتأخر طويلاً نشر الغسيل الوسخ للمحور الروسي ــــ الإيراني وملحقاته الأسدية، على شرفات الإعلام شبه الرسمي في موسكو، ومنه إلى كل العالم.. بحيث كان لافتاً جداً أنه في مقابل النفخ المبالغ فيه من قِبَل طهران وتابعها رئيس سوريا السابق بشار الأسد في الحديث والاحتفال والاحتفاء بما سُمّي «الانتصار» في حلب، اختارت قيادة الكرملين أن تذهب إلى الإضاءة على الهزيمة في تدمر! وأن تكشف بالتفاصيل نوعية «بطولات جيش الأسد» وطبيعتها! كما ممارسات الإيرانيين وأتباعهم.
شهادة قاسية قارصة عنيفة ولئيمة تلك التي عرضها المحلل العسكري لصحيفة «غازيتا – رو» الروسية ميخائيل خوادريوفوك عن ملابسات سقوط تدمر في أيدي «داعش» مجدداً.. وأخطر ما في ذلك السرد هو تأكيده حقيقتين كبيرتين، يعرفهما بالمناسبة، كل «المعنيين» أينما كانوا. الأولى أن الأسد يستخدم «داعش» ولا يقاتله. والثانية أن الهريان الضارب في ما تبقى من «جيش» سوري نظامي أكبر بكثير مما كان يفترضه حتى أعداء الأسد.
العقيد الروسي قال بشفافية آسرة، إن العناصر الأسدية في تدمر ألقت أسلحتها وتركت آلياتها العسكرية وهربت.. (مع بدء هجوم «داعش«). وأن أول الهاربين المذعورين كان نائب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش! ورئيس هيئة العمليات! وقائد قوات الصواريخ والمدفعية! ورئيس أركان الفيلق الثالث! وقائد الفرقة 18 دبابات! «بينما كانت السلطات الرسمية في دمشق تتحدث عن بطولات الجيش الخارقة».. إلخ!
ولم يوفر الردح الروسي الإيرانيين ولا المقاتلين العراقيين ولا عناصر «حزب الله».. أي كأن موسكو تريد بسرعة فرض إيقاعها على «حلفائها». وتعييرهم علناً بأنها هي صاحبة الفضل في تغيير وجهة الحرب. ولها وحدها الحق في رسم وجهة الطريق بعد حلب. وأنها لن تتردد في استخدام «ما تراه مناسباً«، في سبيل تثبيت تلك المعطيات! ومنع الاستطرادات التي يريدها الأسد ورُعاته وحُماته الإيرانيون في شأن الوضع السوري عموماً.
من المبكر ربما البناء على تلك التمايزات لافتراض أشياء كبيرة. لكن لا يمكن إلا التوقف عند التقريظ الروسي العلني والفضّاح هذا. خصوصاً وأنه يأتي وسط حدثين رئيسيين، الأول تثبيت تفاهم (أو اتفاق) روسي – تركي ميداني وسياسي، والثاني الاستعداد لمرحلة دونالد ترامب الذي لا يفرّق بالمناسبة بين «داعش» وإيران وميليشياتها!
وفي كل الحالات، فإن الكلام الروسي الذي يذكّر بأن مصطلح «نظام الأسد» هو خطأ شائع، يؤكد في موازاة ذلك أن الحديث الإيراني عن انتصارات في حلب وسوريا، معيب وغير واقعي وتعوزه الدقة! وكأن موسكو تدعو طهران إلى التواضع في ادعاءاتها وطموحاتها، طالما أنها لا تستطيع تحقيق أي شيء مركزي وكبير في سوريا من دون الروس، مثلما لا تستطيع تحقيق شيء مركزي وكبير في العراق من دون الأميركيين!