Site icon IMLebanon

واشنطن تحكم “الطوق الخليجي” على لبنان

 

 

الى الضجيج المؤقت الذي رافق الحكم القضائي المعطّل بحق السفيرة الاميركية دوروثي شيا، انصرفت الانظار الى الحراك الديبلوماسي الذي تقوده شيا في اتجاه الديبلوماسيين الخليجيين والاوروبيين، من اجل التداول في الازمة الداخلية المتنامية، على وقع أزمة المنطقة وتداعياتها المتشابكة. فضمّ الساحة اللبنانية الى الساحات العربية المشتعلة بات امراً واقعاً، يتعامل معه طرفا النزاع الايراني ـ الاميركي. فما الذي تقود اليه هذه المعادلة؟

لم يشكّل الاعتراف بحجم الحصار الدولي المضروب على لبنان، الذي كشفت عنه نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر، نقطة فاصلة بين محطة وأخرى. وما اشارت اليه جاء متأخّراً، بعدما اكتمل الطوق الديبلوماسي الخارجي العربي والغربي والخليجي على لبنان وحكومته واركان السلطة، ولو بنِسَب متفاوتة.

 

فبعض الزيارات النادرة للديبلوماسيين الغربيين والعرب الى المراجع الرئاسية في البلد، لم تكن باستثناء تلك الجارية مع وزارة الخارجية، إلّا في مناسبات «ملزمة»، وتلك التي لا تُعتبر سوى من «باب الواجب» المفروض ديبلوماسياً، والتي حملت في البعض منها رسائل تنبيه وتحذيرات من الآتي، على وقع تجاهل محتواها ومخاطرها، والتي لم تلق آذاناً صاغية منذ فترة سبقت انفجار الأزمة الأخيرة في لبنان.

 

وباعتراف ديبلوماسيين ممن حمل اكثر من رسالة تحذير، لم يخف هؤلاء الكشف عن عدم تقيّد البعض بها وتحديداً المعنيين مباشرة بتلك الرسائل. فتمادوا في ممارساتهم من دون إعطائها ما تستحق من اهمية ولو من باب «النصيحة». وإلّا لما بلغت الأمور الحدّ الذي بلغته، والتي زادت من حدّتها ما تسببّت به جائحة الكورونا، وما تركته ازمة النازحين من اعباء على مختلف مستويات العيش في لبنان.

 

على هذه الخلفيات، ونتيجة لتراكم الأخطاء وحجم «الدعسات الناقصة» التي ارتُكبت، وُضع الحراك الديبلوماسي، الذي قادته السفيرة الأميركية في اتجاه نظرائها العرب والخليجيين منهم خصوصاً، على مشرحة المراقبة والتدقيق. وهو ما كشفته مصادر عليمة، تواكب مضمون المباحثات التي جرت مرتين في اقل من ايام عدة، بين السفيرة دوروثي شيا ونظيرها السعودي في لبنان وليد بن عبد الله البخاري، وما بينها وسفير الامارات العربية المتحدة حمد سعيد الشامسي، الذي كانت له لقاءات أخرى مع نظيره السعودي بعد لقاءين مع نظيرته الاميركية.

 

ورغم الصمت الديبلوماسي المطبق الذي يصرّ عليه الديبلوماسيون العرب والخليجيون منهم خصوصاً، وحرصهم على سرّية ما هو مطروح قيد التداول، فقد تسرّبت بعض الروايات والسيناريوهات التي تشير الى انّ البحث توسع الى ما هو ابعد مما يجري في الداخل اللبناني. فحركة الاتصالات لم تتوقف بعد، ليس لسبب لانّها لم تنتهِ بعد الى ما يمكن ان تنتهي اليه. فالملفات المطروحة لا تعني الساحة اللبنانية فحسب، وهي شكّلت ترجمة لنوع من التعاون السياسي والديبلوماسي القائم بين حكومات هذه الدول، وقد شكّلت بيروت نقطة ملتقى، سمحت لممثليهم فيها التشاور في ما يجري في المنطقة وتداعيات القرارات الكبرى، التي القت بظلالها على الوضع في معظم بلدانها، ولا سيما منها تلك المتصلة ببدء تطبيق «قانون قيصر» وقوانين العقوبات الأخرى المفروضة على ايران والمنظمات المرتبطة بها والمنظمات الارهابية، بغية تجفيف مواردها المادية وشلّ حركتها في المنطقة ولبنان.

 

على هذه الخلفيات تتحدث السيناريوهات المتداولة على نطاق ضيّق جداً، وانّ ما هو معلن من الاتصالات واللقاءات الديبلوماسية لا يُقاس بحجم ما يجري في الكواليس وبعيداً من الأنظار، وهي تتحدث عن لقاءات ضمّت السفيرة الاميركية الى نظرائها الفرنسي برونو فوشيه والبريطاني غريس رامبلينغ، الذي يستعد لمغادرة لبنان في وقت قريب، بالإضافة الى السفير المصري وسفير الاتحاد الاوروبي رالف طراف.

 

وفي المعلومات القليلة المسرّبة، انّ البحث تناول سبل الخروج من الأزمة المعقّدة التي تشابك فيها ما هو نقدي واقتصادي وامني وسياسي وحكومي، الى درجة كبيرة، وما هو مطلوب من خطوات، ليس على المستوى الرسمي والحكومي فحسب، انما على مستوى المبادرة المطلوبة من «حزب الله» وحلفائه في لبنان، لوقف الانهيار الكبير المتوقع. ففي إقتناع معظمهم، انّه ورغم حجم الأزمة التي ينوء تحتها الشعب اللبناني، فأنّها لم تبلغ بعد الذروة او الخطوط الحمر، وانّ تدارك اهل الحكم والحكومة، ومن رعى التركيبة الحكومية الجديدة من لون واحد، قد يحول دون ما هو اسوأ مما جرى. فالمخاطر الناجمة عن تدهور سعر صرف الليرة، والتي باتت بلا سقوف متوقعة، لن تتوقف عند ما هو قائم ، وانّ المخاوف جدّية ومرتقبة من تدهور امني وعمليات سلب وسرقة، تقف خلفها جهات وشبكات منظمة، وهي واردة في اي لحظة.

 

والى هذه المخاوف، يُضاف اليها استمرار البعض في الاستثمار السياسي لما يجري، ومحاولة ربطه بأحداث المنطقة والمواجهات المفتوحة بين محورين كبيرين، وهو ما جعل اللبنانيين وقوداً في معركة لا علاقة لهم بها الى حدٍ بعيد. ولا تتردّد الجهات الديبلوماسية في الإشارة الى مظاهر التفكّك الحكومي والمؤسساتي في لبنان، فتشير الى محاولات عرض القوة داخل مجلس الوزراء، وما بين السلطات التشريعية والتنفيذية، كما هو جار في الخلاف المالي على تقدير خسائر الدولة والقطاع المصرفي ومصرف لبنان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وان هدّدت خلافاتهم مصيرها، ان لم تكن قد ادّت الى تجميدها، الى حين التفاهم على موقف لبناني واحد وموحّد ما زال مفقوداً.

 

لا تتوقف الملاحظات الديبلوماسية التي لامست الملفات الحساسة عند هذا الحد. فقد بلغ بالبعض الحديث عن العصيان على تنفيذ قرارات حكومية اتُخذت قبل اشهر، ويرفض بعض الوزراء المعنيين بها تنفيذها، كما لجوء البعض الى قرارات تفتقد الى الإجماع الحكومي والوطني، بذريعة الصلاحيات المطلقة للوزراء في شؤون القطاعات التي يشرفون عليها. هذا عدا عن استمرار البعض في استغلال السلطة وقدرات قوى الامر الواقع لتفوقهم على ما تمتلكه الاجهزة الرسمية، من اجل مزيد من المخالفات. ومنها التهرّب الضريبي والجمركي واعمال التهريب واستخدام المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، وهو ما يفاقم الازمة في البلد الصغير، من دون ان يسدّ حاجات البلد الكبير، بمقدار ما توافر من سند لمجموعات صغيرة في مواقع الحزب والسلطة والنظام فيها.

 

عند هذه الحدود تقف السيناريوهات المتداولة، وعلى رغم من فقدان كثير من المعطيات المحيطة بالحراك الديبلوماسي، فقد ظهر جلياً انّ واشنطن نجحت الى حدٍ بعيد في تعزيز الطوق الخليجي القائم على لبنان وحكومة اللون الواحد ورعاتها، الى درجة الإحكام لفرض واقع جديد يعيد التوازن المفقود في لبنان في مرحلة اولى، تمهيداً للخروج بصيغة توافقية، تحيي الثقة بالبلد الذي اقتيد الى ما لا يتحمّله على كل الصعد، وهو امر ممكن ان تنازلت فئة تتحكّم بالوضع من جوانبه المختلفة عن طموحاتها خارج الحدود اللبنانية، وهو امر يعيد الأزمة الى ابعادها الداخلية، ليتمكن البلد من توفير الدعم الخارجي الخليجي والغربي المطلوب، والذي ما زال بعيد المنال، ان بقيت الأزمة تدور في حلقة مفرغة، من دون وجود ما يحول دون كسرها بالخسائر التي تكبّدها اللبنانيون، مخافة تعاظمها الى حدود ليس من السهل تقديرها من اليوم.