IMLebanon

لمَن الغلبة؟ لواشنطن أم لـ«الحزب»؟

 

لم يعد باستطاعة «حزب الله» الهروب إلى الأمام من خلال التلطّي خلف حكومة أُقفلت الأبواب الداخلية والخارجية في وجهها بعد عجزها عن فعل أي شيء، وأصبح محكوماً بالتغيير الطوعي قبل ان يضطر إلى القبول بالتغيير القسري أو الفوضى.

«سَكّرِت» من كل الجهات: المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وصلت عملياً إلى الحائط المسدود بسبب تخبُّط الحكومة بأرقامها واضطرارها إلى إدخال تعديلات جوهرية على الخطة التي كانت قدّمتها والتي تخلو من البرنامج الإصلاحي الذي على أساسه تفتح باب المساعدات، والتحركات في الشارع استعادت زخمها على وقع الغليان الشعبي من الغلاء الفاحش وغياب الحلول وانقطاع الكهرباء وتكدُّس النفايات، والحكومة فقدت المبادرة وانتقلت من موقع الفاعل المفترض إلى المشاهد والمتفرِّج على الانهيار المتواصل فصولاً، والبطريرك بشارة الراعي خرج من كل النقاش الدائر تحت سقف الأزمة والذي يبدأ من المعالجات التقنية ولا ينتهي بتَنحّي السلطة، إلى عمق الأزمة وجوهرها بالعودة إلى الأساس المتمثِّل بتحييد لبنان وتطبيق القرارات الدولية وفك الحصار عن الشرعية، والمجتمع الدولي يواصل حصاره وتَشدّده في أكثر من ملف بدءاً من قانون «قيصر» الذي عزل موضوعيّاً لبنان عن سوريا، وصولاً إلى المحكمة الدولية التي ستصدر حكمها في 7 آب المقبل، وعودة الضغط من بابَي ترسيم الحدود وتغيير مهمة «اليونيفيل»، كما رفض التعامل مع أي حكومة يسيطر عليها «حزب الله» ولا تقوم بالإصلاحات المطلوبة.

 

وحيال كل هذه الأزمات والضغوط وغيرها، لن تتمكن الحكومة من الصمود لا سيما انها تفتقد إلى الغطاء الشعبي والذي يضغط، على العكس، لرحيلها، وتفتقد إلى الدعم السياسي والغطاء الغربي والعربي، ولن تفلح كل المحاولات لفتح النوافذ مع عواصم القرار العربية كون الحكومة أعجز من التجاوب مع الشروط الخارجية التي تسمح بتلبية المطالب اللبنانية.

 

فهل سيقف «حزب الله» متفرّجاً على العناصر التي تتجمّع تباعاً وتشد الخناق عليه وستُفضي في نهاية المطاف إلى سقوط الحكومة في الشارع ودخول البلد في مرحلة من عدم الاستقرار مفتوحة على شتى الاحتمالات وأبرزها دينامية الفوضى التي يصعب التحكُّم بمساراتها؟ أم سيهرب إلى الأمام بقلب الطاولة في مغامرة خطيرة غير مضمونة النتائج بسبب الحصار الداخلي التام عليه وفي ظل المأزق الكبير لمرجعيته طهران التي تواجه حرباً من نوع مختلف أدّت إلى ضرب منشآتها النووية التي تعتدّ بها وتعتبرها مركز ثقلها وقوتها المتبقية لمواجهة واشنطن؟ أم انه سيسعى إلى الحد من الخسائر عن طريق الموافقة على حكومة جديدة لقيادة مرحلة انتقالية يعتقد انه يستطيع من خلالها ان يشتري مزيداً من الوقت بانتظار الانتخابات الأميركية وما سيليها، وبما يتيح له لاحقاً الانقلاب على الواقع الجديد من أجل إبقاء القديم على قدمه؟

 

فالخيار الأوّل المتمثِّل ببقاء «حزب الله» مكتوف الأيدي أمام الانهيار المتدحرج مستبعد للغاية، بخاصة انّ هذا الانهيار سيؤدي إلى خسارته كل شيء، وكل المؤشرات تدلّ الى انّ وقف عجلة الانهيار الشامل بالمسكّنات باتت مستحيلة، والمسألة مسألة وقت، والأمر لا يحتاج إلى منجمِّين او خلية أزمة لمعرفة حقيقة الوضع، حيث كل المعطيات والوقائع تؤكد ذلك. أمّا الخيار الثاني بالهروب إلى الأمام بقلب الطاولة فلا مقومات سياسية له لا في لبنان ولا في المنطقة مع الواقع المأزوم لطهران في المركز والفروع، وبالتالي هذا الخيار أشبه بخطوة نحو المجهول التي يمكن ان ترتدّ على الحزب في مزيد من الإطباق عليه بخاصة انه يدرك بأنّ هناك من ينتظره على «الكوع» للقيام بِرد فِعل من هذا النوع، وبالتالي لا يبقى أمامه سوى الخيار الثالث الذي يشتري عن طريقه الوقت ويحتفظ فيه بوضعيته آملاً في أن تساعده التطورات الخارجية في قلب الطاولة من دون مجازفة تُذكر.

 

ويفترض ان تكون زيارة اللواء عباس إبراهيم إلى الكويت قد قدّمت صورة واضحة بأنّ المساعدات العربية لن تأتي لهذه الحكومة، وامّا المساعدات الدولية فمشروطة بخطة الحكومة التي تعمل على تعديلها، وفي حال نجاحها فإنّ لبنان سيستفيد من هذه المساعدات ولكن بعد ان تكون الدولة قد سقطت كون طريق الصندوق طويل جداً، فيما الحلّ الوحيد القادر على فرملة الانهيار يكمن في المساعدات الفورية، وبما انّ طهران غير قادرة على وضع وديعة بمليارات الدولارات في المصرف المركزي، وهي لم تفعلها ولن تفعلها، فإنه لن يبقى من خيار سوى الإتيان بحكومة جديدة قادرة على انتزاع ثقة الخارج والداخل معاً.

 

وعليه، فإنّ التغيير الحكومي الذي حُكي عنه كثيراً في الآونة الأخيرة سيتحوّل إلى أمر واقع في المرحلة المقبلة القصيرة جداً، هذا التغيير الذي لن يكون الحزب مقرراً فيه، ولكنه سيحاول قدر الإمكان الحد من أضراره عليه، وما ينطبق على الحزب ينسحب على العهد الذي لن يتمكن من تشكيل ممانعة تُذكر كونه وصل إلى الحائط المسدود مع آخر الخيارات التي اعتمدها مع الحكومة الحالية التي لم تقدِّم شيئاً، فيما القرار في المسائل المصيرية يبقى في يَد الحزب الذي لن يسمح للعهد حتى إشعار آخر بأن يَجرّه إلى هوايته المفضلة، ألا وهي ترك الأمور تذهب إلى نهايات كارثية.

 

ولا يقدّم ولا يؤخّر أن يقول رئيس الحكومة انه لن يستقيل خشية من الفراغ، لأنه سيستقيل مُرغماً لا طوعاً مع انفلات الشارع وخروجه عن السيطرة وبغطاء من «حزب الله» الذي سيجد نفسه أمام خيارين: الفوضى او حكومة خارج سيطرته على غرار الحكومة العراقية، ولن يتمكن من إبقاء حكومة دياب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، على رغم انّ هدفه كان تمرير المرحلة بالحكومة الحالية، ولكن لبنان لن يَشذّ عن القاعدة المُتّبعة أميركيّاً في إيران مع ضرب المنشآت النووية، وفي العراق مع حكومة مصطفى الكاظمي التي تحاصر نفوذ الميليشيات الإيرانية، وفي سوريا مع «قانون قيصر»، وبالتالي الحكومة الجديدة ستولد قبل الانتخابات الأميركية لا بعدها، إلّا في حال نجح الحزب في تأخير الانهيار والفوضى، الأمر المستبعد كليّاً.

 

ويدرك «حزب الله» انّ الضغط لن يتوقف ما لم يتنازل حكوميّاً، ومحاولاته إغراء الأميركيين بالتفاوض على الترسيم لتقطيع الوقت لن تمرّ، لأنّ الهدف الأساس هو إضعاف تأثيره على القرار المركزي كمرحلة انتقالية بمهمة ثلاثية: فرملة الانهيار، تحقيق الإصلاحات التي تحد من نفوذ الحزب والعهد، والتهيئة لانتخابات جديدة. فيكون وضع لبنان كوضع سوريا والعراق واليمن على رصيف انتظار الانتخابات الأميركية تمهيداً لوضع المنطقة برمّتها بنداً أوّل على أجندة الإدارة الجديدة لحلول مرتقبة في العام المقبل 2021، بخاصة بعد ان استوَت طهران وأذرعها ولن يكون باستطاعتهم مواصلة سياسة الممانعة.

 

واشنطن تريد حكومة جديدة في لبنان تقود مرحلة انتقالية قبل الانتخابات الأميركية، و«حزب الله» يريدها بعد هذه الانتخابات تَجنّباً لتنازلات قد لا يضطر إليها في حال سقوط الرئيس ترامب، فلمَن ستكون الغلبة؟ لواشنطن أم للحزب؟