IMLebanon

واشنطن تزرع عبوات ناسفة بوجه المبادرة الفرنسية وتنجح في فرملتها

 

هل عقدة تأليف الحكومة في تمسك «الثنائي الشيعي» بالمالية أم في الحدود البحرية؟

 

تؤكد كل المعطيات الداخلية والخارجية ان المبادرة الفرنسية دخلت الموت السريري، وان الغائها بات يحتاج اتصالات عاجلة ومباشرة بين الاليزيه والبيت الأبيض بعد ان ساد الظن لدى الرئيس ايمانويل ماكرون بأن واشنطن تلعب دوراً في ما إعاقة عملية تأليف الحكومة في لبنان.

 

إن ما صدر من كلام بالأمس من أكثر من جهة في الداخل والخارج عكس مناخات غير مريحة بالنسبة للحراك الحاصل بشأن التفاهم على توليفة حكومية متفاهم عليها من قبل كل الأطراف، وأشر إلى اننا قادمون على مرحلة شديدة التأزم ما لم يحصل في بحر هذا الأسبوع أي خرق على هذا المستوى.

 

ما من شك ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يهمه الوصول إلى تأليف حكومة للشروع في معالجة الأزمات المتشعبة في البلاد، لم يحالفه الحظ بالأمس لما طرحه كمخرج للأزمة، لا بل إن ما ذهب إليه كان بمثابة جرس إنذار وفي الوقت نفسه زاد الأزمة تعقيداً من خلال موقفه من مسألة الحقائب، وهو موقف لم تعتد الآذان سماعه في الحقبات الماضية حيث كانت عملية تأليف الحكومة تتأخر أشهراً بسبب تمسك هذا الفريق أو ذاك بتولي هذه الحقيبة الوزارية أو تلك، وما تلا كلام رئيس الجمهورية من اشتعال لمواقع التواصل الاجتماعي وعبر «التويتر» ورد «الثنائي الشيعي» يوحي بأن لا حل قريبا لأزمة التأليف وان الأمور فتحت على كل الاحتمالات.

 

وبغض النظر عن الفتاوى والمواقف من عملية التأليف، فإنه من المستغرب حصر مشكلة التأليف بالجدال الحاصل حول حقيبة المالية، علماً ان هناك عقدا عديدة من الممكن ان تطفوا على سطح التأليف فور أن تحل عقدة «المالية»، حيث من الممكن ان تندلع مواجهات سياسية على محاور أخرى، ناهيك عن الخلافات الذي ستدب على مضامين البيان الوزاري حيث ان جهات سياسية ستحاول لا بل ستستميت في تحقيق انقلاب على بعض بنوده وهو ما يتوجس منه «الثنائي الشيعي»، ولذا يضع نفسه في خط الدفاع الأوّل في معركة التأليف.

 

ساعات حاسمة.. فإما أن تشكّل الحكومة وإما ينزلق لبنان إلى جهنم التي تحدث عنها رئيس الجمهورية

 

حيال ذلك فإن مصادر سياسية عليمة تؤكد بأن ما قاله الرئيس عون لن تصيب شظاياه ابداً تفاهم مار مخايل، مؤكدة ان هذا التفاهم قائم على الاستحقاقات الاستراتيجية وبالتالي فإن الخلاف حول أي أمر تفصيلي داخلي لن يفسد في الود قضية، اما بالنسبة لما يُحكى حول إمكانية سقوط المبادرة الفرنسية، فإن هذا الأمر مستبعد أيضاً حيث ان باريس ورغم ما تواجهه مبادرتها فإنها مستمرة وهي ليست في وارد التراجع، خصوصا وان الرئيس ماكرون أخذ عهداً على نفسه في بذل كل ما يمكن في سبيل تجنيب لبنان الانزلاق باتجاه المجهول، وهذا الموقف نابع من أمرين: الأوّل محبة الفرنسيين للبنان على اعتبار ان فرنسا هي الأم الحنون له، وثانيا من منطلق المصلحة الفرنسية في ان يكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط، ولبنان يُشكّل لها بالنسبة لهذه الغاية الأرض الخصبة والبيئة الحاضنة التي تجعلها تنجح في ذلك بالرغم من المحاولات الأميركية الحثيثة في وضع العصي في الدواليب الفرنسية وفرملة اندفاعها في المنطقة.

 

وتؤكد المصادر ان باريس قرأت الرسالة الأميركية بالنسبة للوضع اللبناني جيداً، وهي لن توقف مسعاها تجاه لبنان رغم تعاظم الضغوط الأميركية الرامية إلى تعطيل مبادرة الرئيس ماكرون.

 

وفي رأي المصادر نفسها ان الولايات المتحدة من خلال مواقفها الراهنة تجاه لبنان تريد ان تنتقم بسبب عدم التجاوب اللبناني مع الخارطة التي وضعتها في ما خص الحدود البحرية ومسألة توزيع الثروات النفطية والغاز بين لبنان وإسرائيل، ولو كان لواشنطن ما ارادت لما كانت تتدخل في الأصل في المسائل الداخلية للبنان، وكانت سهلت إلى أبعد الحدود المسعى الفرنسي وغيره من المساعي في تأليف الحكومة، لكن الإصرار اللبناني على ترسيم حقيقي للحدود البحرية وعدم قبوله التفريط بأي جزء من ثرواته البحرية يغيظ الإدارة الأميركية ويجعلها تتجه إلى تشديد الحصار والعقوبات على لبنان، ناهيك عن المحاولات الأميركية التي فشلت في إيجاد الشرخ الوافي بين اللبنانيين والمقاومة لتأمين الأمن القومي الإسرائيلي.

 

وفي رأي المصادر انه ما دامت الأمور كذلك فإن قابل الأيام يحمل إلى لبنان مناخات سياسية واقتصادية غير مريحة، وان التعويل الآن هو على عبور المبادرة الفرنسية حقل الألغام الذي زرعته واشنطن امامها لتفجيرها، وهذا يعتمد على حكمة المسؤولين اللبنانيين وقراءتهم المتأنية للمشهد الإقليمي والدولي الذي يشهد تحولات كبيرة ربما لن يكون في مقدور لبنان بوضعه الحالي التعامل معها وتوظيف ما يجري لمصلحته.

 

من هنا فإن المصادر لا ترى في الأفق أي حل قريب لأزمة تأليف الحكومة، اللهم الا إذا تحققت أمنية رئيس الجمهورية بحصول معجزة ما تنقل الواقع اللبناني إلى حال أفضل يتمكن أهل الحل والربط من خلاله الوصول إلى تفاهم حول التشكيلة الحكومية، وتفادي القنابل الموقوتة التي تزرعها الولايات المتحدة الأميركية في أكثر من مكان لتحقيق مكاسب تشكّل قوة دفع للرئيس ترامب في رحلته الشاقة والقاسية في انتخابات الخريف المقبل، حيث تؤكد غالبية الاستطلاعات التي تجري في الولايات الاميركية تراجع شعبية ترامب ووجود صعوبات امام فوزه بولاية ثانية للرئاسة الأميركية.

 

وتؤكد المصادر بأننا سنكون امام ساعات حاسمة، فإما ان تؤلف الحكومة وتأخذ الأمور مسارها الطبيعي، وإما ان ينزلق لبنان إلى جهنم التي تحدث عنها رئيس الجمهورية بالأمس.