IMLebanon

واشنطن والنصر المزعوم

 

ليست العلاقات اللبنانية ـ الأميركية مجرّد تفصيل في تاريخ لبنان الحديث، بالرغم من كثرة الأصوات اللبنانية التي كانت تتعالى وما زالت، مُندّدة “بالسياسة الأميركية في المنطقة، ومؤامراتها على الوحدة العربية وقضية فلسطين، وصولاً إلى رغبتها في ضمّ لبنان إلى مِحور التطبيع”، كما يقول غلاة المعادين للتأثير وللوجود الأميركي في لبنان.

 

قد يكون هدف البعض من استمرار الهجوم على السياسة الأميركية في لبنان هو إخراج الولايات المتّحدة من هذا البلد، من خلال تقليص دورها، أو ربّما انتفائه في مجالات عدّة، وقد يكون البعض قد ضلعوا في هذا الموضوع رغماً عنهم، بحيث أنّ أقوالهم التي تقول بأفضل العلاقات مع الولايات المتّحدة أصبحت أسيرة شِعارات المعادين لواشنطن، فأخذوا مثلاً يكرّرون بأنّهم ليسوا على خلاف مع الشعب الأميركي ولكن مع الإدارة الأميركية، وكأنّ هذه الإدارة تمّ تنصيبها خِلافاً لرغبات شعبها، وكأنّ ليس بين صفوف الشعب الأميركي من المؤيّدين لها.

 

هذا الواقع لن يجعل الولايات المتّحدة تتراجع عن سياساتها في لبنان مهما كان حجم الإعتراض. فالمسألة بالنسبة إلى الأميركيين ليست أهمّية لبنان كدولة، فهو بالنسبة لهم دولة فاشلة ينخرها الفساد والفوضى، ولكن ما يجري على أرض هذه الدولة وتحويلها ساحة للصراعات، هو الذي يفرض على الأميركيين مواصلة الاهتمام والتدخّل في لبنان من أجل الحدّ من السلبيات التي تُصيب المنطقة ككلّ، وتحديداً الحليف الرئيسي للولايات المتّحدة الأميركية، وهو إسرائيل.

 

تريد الولايات المتّحدة أن يكون لبنان مستقرّاً إلى حدّ ما، وأن تتحسّن الأوضاع الإقتصادية والمعيشية والإجتماعية، وأن تتطوّر القطاعات الإنتاجية وفرص الإستثمار وتوفير فرص عمل لليد العاملة. وكلّ ذلك قد يؤدّي إلى نوع من الرخاء الذي يريد المواطن اللبناني المزيد منه، فينسحب ذلك على الأداء السياسي للمواطن الذي سيسعى عندها لإيصال من يعتقد أنّهم يستطيعون تأمين المزيد، من خلال الإنتخابات النيابية التي ستأتي بعد مرحلة من المآسي التي عاشها ويعيشها البلد، ولا بدّ أن تكون قد غيّرت في مزاج الرأي العام الذي أصبح علناً وفي السرّ يتوق إلى دولة فعلية.

 

تريد الولايات المتّحدة جيشاً قوياً في لبنان، فهو الدليل على وجود دولة تملك قرارها وسيادتها وأنّ بإمكانها أن تواجه كلّ الأخطار ولا سيما الإرهاب، وهذا الجيش لا يمكن أن يكون قوياً ولو تمّ تزويده بأهمّ الوسائل القتالية إذا لم توجد دولة فعلية تملك قرار الحرب والسلم، وبالتالي لا فائدة وضرورة عندها لوجود سلاح آخر، فالوضع مع إسرائيل محكوم باتفاقية الهدنة وبالقرار 1701، ووحده السلاح الشرعي ينزع من هذه الدولة ذرائع خرق السيادة اللبنانية وانتهاكها.

 

وانطلاقاً من هذا الواقع مع إسرائيل، تبقى الولايات المتّحدة ضرورة للبنان، والدليل على ذلك ما يجري من ترسيم عند الحدود البرّية والبحرية مع إسرائيل، والدور الأميركي في هذه المحادثات التي ما كانت لتحصل لولا تدخّل الأميركيين.

 

لبنان لا يفترض أن يملك مشروعاً لمُعاداة الولايات المتّحدة، وأيّ مشروع من هذا النوع أصاب ويصيبه بأضرار جسيمة لا تزال ماثلة أمامنا، وربّما يكون التفاهم الواضح والصادق معها أفضل بكثير من لعبة التذاكي والإستعداء، حيث المواجهة لا تكافؤ فيها، وخسائرها أكبر بكثير من أي نصر مزعوم.