IMLebanon

مشهد واشنطن: الشيء بالشيء يذكر

 

المذهل في متابعة تفاصيل تعاطي الإعلام الأميركي مع تصرف الرئيس دونالد ترامب مع نتائج الانتخابات الرئاسية هو هذا الوضوح في الأوصاف التي وسم بها المعلقون الأميركيون على المحطات التي نقلت السابقة الخطيرة باحتلال أنصاره مبنى الكابيتول.

 

من “كاذب” إلى “محرِّض على الإرهاب المحلي”، إلى “عديم المسؤولية”، مروراً بطلب مداخلات معلقين متخصصين مثل أحد الكتاب المختصين بكتابة تاريخ رؤساء الجمهورية في بلاد العام سام، الذي قال إن ترامب “رئيس مريض يجب إخراجه من البيت الأبيض”، وصولاً إلى تحميله مسؤولية تعريض النظام السياسي والدستور في الولايات المتحدة للبهدلة المعيبة، أمام الأميركيين ودول العالم كله، باسم “الأنانية” و”الغرور”، اللذين يدفعانه إلى التمسك بالسلطة بوسائل هي سابقة خطرة في التاريخ الأميركي… لا تحصى الأوصاف المهينة لترامب سواء التي استخدمها الإعلاميون الأميركيون المحترفون، أو تلك التي نقلوها عن مصادر في البيت الأبيض كأن ينسبوا إلى حليف ومقرب من ترامب قوله إن الرجل “فقد عقله” و”خرج عن طوره”.

 

كل ذلك لأنه حاول تعطيل نتائج الانتخابات، حتى لا يخرج من البيت الأبيض، ومارس ضغوطاً من أجل تعديلها كما حصل مع المسؤول عن النتائج في ولاية جورجيا، وسعى إلى وقف تشريع عدد الأصوات في الكونغرس.

 

من الطبيعي أن يتيح المشهد الذي شهدته واشنطن الحديث عن هشاشة الديموقراطية الأميركية، وعن الانقسام في المجتمع الأميركي، وعن أن سابقة الأربعاء لن تنتهي تداعياتها في سرعة وستتوالد وتتفاعل في المرحلة المقبلة، على رغم أن ردة فعل الكونغرس ووسائل الإعلام والمؤسسات، أحبطت محاولة ترامب إجهاض نتائج الانتخابات، وجنبت أميركا الفراغ الدستوري.

 

إذا كان الشيء بالشيء يذكر، أين السلطة والقانون والرأي العام عندنا من أي انتقاد إعلامي، أو سياسي، يطال كبار المسؤولين حيال ممارساتهم اليومية وخرقهم لمبدأ الانتظام العام في المؤسسات الدستورية، وتعطيلها أشهراً وسنوات، والإمعان في الإنكار، من أجل طموحات شخصية وفئوية فاقعة؟

 

لم تقف الأمور عند الحد الذي شهدناه على الشاشات. فأن يعلّق “تويتر” بث تغريدات أقوى رئيس في العالم لـ12 ساعة، لاستخدامه حسابه من أجل التحريض على اقتحام الكونغرس، ثم تمديد هذا التعليق لأجل غير مسمى، ليس تفصيلاً صغيراً.

 

بات رجال الإدارة الذين استقال بعضهم ممن يحيط به، بعدما شهدوا على أضرار جموحه، فيما يمتنع البعض الآخر عن ذلك لسبب أكثر خطورة وفداحة، يفضلون البقاء قربه لثنيه عن القيام بعمل أخرق جديد إذا أفلت من الضوابط، لأن صلاحيات الرئاسة شبه مطلقة، خلال الـ12 يوماً المتبقية له في السلطة (حتى 20 كانون الثاني). ومع أن الأقرب إليه من الجمهوريين اعترفوا بأنهم لم يعودوا قادرين على مجاراته، وتمردوا على توجهاته، فإن المخاوف بعد الذي حصل، هي من أن يأمر بعمل عسكري يائس في الخارج، يقود إلى حالة دموية. لهذا انتقل النقاش إلى سبل تطبيق المادة 25 من تعديل الدستور التي تتيح إزاحته من الرئاسة باتفاق بين أعضاء الحكومة ونائب الرئيس مايك بنس. وهي عملية قد لا يتيسر إنجازها في 12 يوماً، لكنها تلويح استباقي له ودعوة للمعنيين إلى التمرد عليه.

 

يرث جو بايدن معضلة داخلية تضاف إلى الملفات الخارجية المعقدة، تؤكد عبثية انتظار تسلمه الرئاسة من أجل تأليف الحكومة في لبنان.