قد تكون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن متساهلة في الشكل مع المحور الإيراني، وبدأت ملامح هذا الأمر تظهر في اليمن ومناطق عدّة، لكن كل هذا التهليل من محور “الممانعة” للخطوات الأميركية يبقى في الإطار الشكلي ولا يبدّل في الخطوط السياسية العريضة شيئاً.
في خريف 2007، دخل لبنان أزمة سياسية حادّة، يومها كان الصراع على أشدّه بين محور الإعتدال العربي بقيادة السعودية ومصر وبين المحور السوري – الإيراني، وكانت البلاد تواجه خطر الفراغ الرئاسي، فبادرت فرنسا إلى أخذ الإستحقاق الرئاسي على عاتقها وطلبت من البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير لائحة من 6 مرشحين للرئاسة، فوضع صفير في جيب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير اللائحة المطلوبة.
ويُنقل عمن عايش تلك الفترة، أنه في عشاء في بيروت، سُئل السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان: “هل صحيح أنكم لزّمتم الإستحقاق الرئاسي للفرنسيين؟”، فكان جوابه: “هم يريدون أخذ الأمور على عاتقهم، فإذا نجحوا يكون النجاح لنا جميعاً، وإذا فشلوا فهم يتحمّلون نتائج الفشل”.
تنطبق هذه الحادثة على مجريات أحداث اليوم، فالفرنسي الذي كان يعرف جيداً أن واشنطن غاضبة على السياسيين اللبنانيين والسلطة الحاكمة وتريد تقويض أنشطة “حزب الله”، أراد التدخّل في الملف اللبناني بعد انفجار 4 آب، لكنه اصطدم بموقف “حزب الله” الذي أفشل مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ولم يسمح بتأليف حكومة لأنه يريد أن يتفاوض أو يقدّم تنازلات للأميركيين وليس للفرنسيين. وتقول مصادر ديبلوماسية متابعة أن إدارة الرئيس بايدن لا تزال تُركّب “سيبة” الحكم وتملأ المراكز وتدرس الملفات، وهناك ملفات داخلية ملحّة مثل تفشّي “كورونا” في الولايات المتحدة الاميركية والوضع الإقتصادي بفعل هذه الجائحة، لذلك فإنها لا تعطي أولوية للملف اللبناني أو أي ملف آخر.
وتلفت المصادر إلى أن ما يهم “الديموقراطيين” في لبنان هو أمن إسرائيل وملف الحدود، لذلك لن يكون هناك أي تغيير في السياسة الأميركية بالنسبة إلى لبنان، فـ”حزب الله” يُمثّل خطراً على إسرائيل عكس الحوثيين في اليمن كما أنه يتمدّد في الداخل ويخطف القرار اللبناني، من هنا فإن إدارة بايدن لن تتساهل مع سلوك “الحزب” إن كان في السياسة اللبنانية الداخلية أو بالنسبة إلى الخطر الأمني.
لا شكّ أن هناك توافقاً فرنسياً – أميركياً على أهمية إجراء الإصلاحات، لكن الفريق الأبرز الذي يرفض تلك الإصلاحات هو “حزب الله” وكذلك العهد، فـ”الحزب” لا يريد المحاسبة وإغلاق المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية ليستمر باستباحة الدولة، في حين أن فريق العهد يحاول الإحتفاظ بحقيبة الطاقة التي كلّفت البلاد نحو 50 مليار دولار هدراً في الكهرباء، وبالتالي فإن الأميركي لن يمنح الطبقة السياسية الفاسدة شيكاً على بياض أو يُعيد إحياء سلطة تابعة لـ”حزب الله”.
وتراهن فرنسا على حصول صحوة ضمير داخلية تؤدي إلى تأليف حكومة إختصاصيين مستقلّة، لكن هذه الحكومة تصطدم برفض العهد و”حزب الله”، لذلك كل ما يُحكى عن أجواء تفاؤلية يبقى في الإطار النظري طالما أنه لم ينعكس تأليفاً سريعاً للحكومة.
ومن جهة أخرى، فإن الأميركي ترك للفرنسي حرية العمل في لبنان، من دون أن يعني ذلك أنه سلّمه الملف اللبناني، لأنه عندما يحين الكلام مع إيران فإن رأس “حزب الله” سيكون داخلاً في التفاوض الكبير.