IMLebanon

إنخراط أميركي ورقابة على “الأوكسجين”

 

مع أن بعض الذين رصدوا الاجتماع الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي في إيطاليا الأسبوع الماضي، وجدوا نقلة إيجابية في الاهتمام الأميركي بوضع لبنان، بعد أن ابتعدوا عن أزمته تاركين لباريس متابعة التفاصيل، فإن المتشائمين من إمكان تغيير موقف الجهات التي تعطل تأليف الحكومة لا يتوقعون تراجع فريق الرئاسة عن شروطه التعطيلية. أقصى ما يأمله المتابعون لانتقال واشنطن إلى الاهتمام بأزمة لبنان هو أن تسعى مع فرنسا والمجتمع الدولي إلى تكثيف ضغوطها السياسية لتسريع ولادة الحكومة، ضمن فسحة قصيرة من الوقت فإذا لم تنجح، تنتقل إلى فرض عقوبات قاسية على المعرقلين من الطبقة السياسية الحاكمة. وهذه المرة ستكون مشتركة أميركية أوروبية. فالعقوبات السابقة التي كانت فرضتها واشنطن لم تكن الدوائر الأوروبية العليا بعيدة عنها، على الرغم من إعلان باريس وبروكسل بعدها أن العقوبات ليست سياسة لإنهاء الأزمة.

 

النقلة الأميركية بالانخراط في جهود معالجة أزمة لبنان جاءت نتيجة تحرك في الكونغرس الأميركي من جهة لإنقاذ لبنان مما هو فيه، وبسبب تقييم الإدارة الجديدة ووزارة الخارجية بأن إهمال الأزمة، باستثناء الدعم الاستثنائي للجيش، يتم فيما لبنان يتجه إلى مرحلة خطيرة من الانهيار. كما أنه يشمل عدم ترك القوى الخارجية الأخرى تستغل الانهيار الكبير جراء استمرار الفراغ الحكومي، من أجل ترسيخ نفوذها فيه من جهة ثانية. العين الأميركية في هذا المجال هي على إيران، ثم على روسيا التي تسعى إلى الإفادة من الوضع الاقتصادي لتعزيز وجودها، الذي يثير حفيظة واشنطن.

 

شكّل اجتماع وزير الخارجية أنطوني بلينكن مع نظيريه الفرنسي جان إيف لودريان والسعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، الإشارة الأولى بعد لقاء بلينكن لودريان والرئيس إيمانويل ماكرون الذي انتهى بالتقييم نفسه لوضع لبنان. الإشارة الثانية كانت تناول بلينكن وضع لبنان خلال اجتماعه مع البابا فرنسيس قبل يومين من رعاية الأخير اجتماع القادة المسيحيين الروحيين، الذي دعا في نهايته “من في يده السلطة إلى التخلي عن مصالحه”، وهو موقف يرتقي إلى مستوى جديد من الضغوط المعنوية التي ستظهر مفاعيلها تباعاً.

 

دعوة بلينكن الرياض إلى الانخراط أكثر في معالجة الوضع اللبناني، بعدما انحصر الاهتمام السعودي بالمراقبة وعدم التدخل في أي جهود لإنهاء الفراغ الحكومي، سيكون له ما بعده.

 

بين دوائر الكونغرس والإدارة يشمل التقييم الأميركي المعادلة التي ستتحكم بالمساعدات الطارئة إلى الشعب اللبناني. فمواصلة إهمال الحلول السياسية تعني أن إصلاح الوضع اقتصادياً وسياسياً سيكون أكثر صعوبة كلما طالت الأزمة. وهناك اتجاه إلى رفض الانصياع لمعادلة عدم ترك الشعب اللبناني يموت جوعاً، مقابل استفادة الطبقة السياسية من المساعدات لإنقاذ نفسها.

 

في وقت يراهن الفريق الرئاسي على تجنب سلبيات إطالته المتعمد لفترة الفراغ الحكومي، على الأصعدة المالية والنقدية والاقتصادية، عبر الاستخدام التدريجي للاحتياطي الإلزامي لأموال المودعين والمصارف، والمساعدات الإنسانية من الدول، وعبر قروض المؤسسات الدولية، لتمويل البطاقة التمويلية التي ستستفيد منها القوى السياسية انتخابياً، كي يتفادى تحميله مسؤولية الارتطام الكبير، تتجه واشنطن وسائر الدول إلى قيود صارمة في الرقابة الشديدة على صرف أي قروض ومساعدات.

 

وفي وقت استبدل المشرعون في البرلمان وجوب اعتماد معايير البنك الدولي في صرف أموال البطاقة التمويلية بعبارة “بالتشاور مع البنك الدولي” تجنباً لقيوده في صرف الأموال، ستحرص الدول المعنية وأميركا في طليعتها، على عدم مد الطبقة الحاكمة بالأوكسجين.