يُشير سلوك لبنان الرسمي في التعامل مع إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن انطلاق بواخر المحروقات من إيران إلى الانصياع التام للفيتو الأميركي. فبدلاً من أن تتصرف الدولة مع هذا الأمر كفرصة للمساهمة في تخفيف تداعيات الأزمة، تدير ظهرها خوفاً من العقوبات
كانَ يوم الخميس الماضي موعِداً لتطورَيْن بارِزين بالنسبة إلى أزمة المحروقات وتداعياتها على الوضع العام في لبنان. الأول، إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يومَ العاشِر من محرّم عن الباخرة الإيرانية التي انطلقت محمّلة بالمازوت، وإرساء قواعِد اشتباك بحرية جديدة، باعتبار الباخرة «أرضاً لبنانية» والتحذير من التعرض لها. والثاني، تصريح الرئاسة اللبنانية عن تلقّي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتصالاً هاتفياً من السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، تُبلِّغه فيه «قرار إدارة بلادها بمساعدة لبنان في استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبرَ سوريا عن طريق الغاز المصري». ليسَ من باب الصدفة (كما ادعى المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر في حديث لموقع «أساس») تزامُن الأمرين. أدركَ الأميركيون أنهم حلّوا في ورطة وأنهم أخطأوا في تقدير الحسابات حينَ أوكلوا الأمر لأدواتِهم في الداخل تنفيذ كل ما يتطلّب لإتمام عملية الحصار، وتصرفوا على قاعدة أن أحداً لن يُقدِم على كسره.
خلطَ كلام السيد نصرالله كل الأوراق. استنفرَ «جنود» السفيرة الأميركية، من سياسيين وإعلاميين وناشطين وثوار، وتجمّعوا في حلقة ذهبت لأبعد من مجرّد التزوير بأن «حزب الله يعيد المازوت المهرب إلى سوريا»، والتهديد «بالعقوبات التي ستتعرض لها الدولة اللبنانية في حال إدخال الباخرة وتفريغ المازوت»، إلى حدّ التحريض عليها وعلى حزب الله الذي «يأخذ لبنان إلى الحرب، ويكرس مبدأ تغييب الدولة وضرب المؤسسات».
وبينما ينصبّ الحديث اليوم عن المسار الذي ستتخذه الباخرة، والمكان الذي سترسو فيه، والإجراءات اللوجستية التي ستُتخذ لتفريغ المازوت، ووسطَ كل البلبلة الحاصلة يتصرّف لبنان الرسمي «كشاهد ما شفش حاجة»، وهو ما ينطبِق تماماً على الدولة التي تقِف عاجزة أمام الذين يسعون لضرب منظومة الأمن المجتمعي، وتمتنِع عن اتخاذ أي قرار بحقهم.
صحيح أن لا معلومة مؤكدة بشأن الباخرة سوى أنها في طريقها إلى شواطئ المتوسط، ذلِك أن الإفصاح عن كل الخطوات اللاحقة سيعلنها السيد نصرالله أو ستصدر ببيان رسمي عن حزب الله، إلا أن ذلِك لا يمنع السؤال عن موقف الدولة اللبنانية الرسمي التي على ما يبدو أنها – رغمَ عملية التصفية التي يتعرّض لها اللبنانيون – لا تزال خاضعة للسطوة الأميركية، فلا يتجرّأ أحد للخروج وتبنّي الباخرة والقول «أما وقد وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه بسبب تعذّر توفير مواد الطاقة وتوفير الحد الأدنى من الكميات المطلوبة لاستمرار الدورة الحياتية بشكل طبيعي، فلا بد من الدعوة إلى اجتماع طارئ للبت في أمر التعامل مع الباخرة وإيجاد الصيغة القانونية لإدخالها كأي باخرة محروقات أخرى». في الأحوال الطبيعية، فإن الأصول الإدارية، تقول المصادر تسير من خلال «إعلام وزارة الطاقة إدارة المرفأ بوصول الباخرة، ويتم إدخالها وتفريغها بحضور ممثل عن الوزارة والشركات التي لها حصة فيها، وبإشراف من الجمارك والأمن العام والسلطات المعنية، وطبعاً يكون هناك توقيع لوزارة الأشغال المسؤولة عن المنشآت».
مصادر وزارية: لم نبحَث أمر الباخرة الإيرانية بعد!
لكن أمام هذا الظرف، مِن الواضح أن الدولة تريد أن تقِف على الحياد في ما يتعلق بالباخرة، والردّ الأول جاءَ من وزير الطاقة ريمون غجر الذي نُقِل عنه بأننا «حتى الآن، لم أتسلم أي طلب إذن لدخول النفط الإيراني، والسيد حسن نصر الله كان دقيقاً في كلامه عندما قال إن الباخرة توجهت من إيران إلى مياه البحر المتوسط ولم يقل المياه الإقليمية للبنان». ولفت إلى أن «لا دور للدولة بكل مؤسساتها في استيراد النفط الإيراني، ولم يُطلب منا شيء، ولم نقم بأي خطوة يمكن أن تعرضنا للعقوبات». وتلحق بغجر مصادر وزارية تتذرع بأن «ليسَ معلوماً بعد ما إذا كانت الباخرة ستحطّ على الشاطئ اللبناني، ولذا هي لم تبحث بهذا الأمر بعد»!
أمس أعلن السيد نصرالله عن أن «السفينة الثانية المحملة بالمحروقات ستُبحِر من إيران خلال أيام». انطلاقاً من هنا، علقّت أوساط سياسية بارزة على تعامل الدولة مع هذا الأمر بأنها «تتخلّى عن مسؤولياتها، وأن الادعاء بأن لا جهة تقدمت بطلب رسمي إليها في شأن إدخالها إلى لبنان ليسَ سوى استكمال لسياسة الإهمال والتقصير في معالجة أزمة المحروقات، وتغطية على انصياعها للفيتو الأميركي وخوفها من العقوبات». وقالت المصادر أنه في الحالات الاستثنائية فإن «الأعمال التصرفية مجازة»، متسائلة «هل هناك أخطر من فقدان المحروقات وانقطاع الكهرباء عن المستشفيات وأفران الغاز وكل القطاعات الحيوية كي تتحرك الحكومة. فلماذا لا تبادر الدولة لملاقاة هذا الحل وتكون شريكة فيه»؟
وأضافت المصادر أن «عدم تحديد المكان الذي سترسو فيه البواخر حتى الآن، لا يمنع طرح الفرضيات والسؤال عن كيفية تعامل الدولة معها». فماذا إن وصلت الباخرة الأولى إلى قبالة الشواطئ اللبنانية؟ «هل ستتخبّط الدولة في حينها وتبدأ بتقاذف المسؤوليات»؟ ولماذا لا تبدأ منذ الآن بتحضير الإجراءات اللازمة التي تسمَح بإدخال البواخر بشكل طبيعي ورسمي، بدلاً من تجاهل الموضوع والتسليم بفكرة أنها ستحط على الشاطئ السوري مثلاً، علماً أن هذا الإجراء سيؤخر – ولو بضعة أيام – وصول المحروقات، فيما القطاعات كلها تعيش في سباق مع الموت»؟
قصة «التخاذل» الرسمي اللبناني لم تنته بعد. إذ علمت «الأخبار» أن مسؤولين أميركيين ومن بينهم السفيرة لم يتوقفوا منذ الإعلان عن الباخرة الأولى «عن استصراح قوى سياسية لبنانية محسوبة على محورهم، وأخرى حيادية، بشأن المحروقات والباخرة، والخيارات المتاحة لعرقلتها في حال وصولها إلى الشاطئ اللبناني». وهذا الأمر، أصاب القوى القريبة من الجو الأميركي بالخيبة مما اعتبرته دليلاً على «عدم وجود قرار بضرب البواخر أو إعاقة مسارها في البحر الأحمر أو قناة السويس»، ودليل آخر على «التخبط الأميركي في مواجهة هذا التطور». كما اعتبرت أن الأميركيين «تلقوا صفعتين. الأولى هي إثبات حزب الله بأنه قوة ردع وحماية للبنان وأنه قادر ومتمكن من كسر الحصار. والثانية هي دفع حزب الله الأميركيين إلى أن يكسروا بأنفسهم الحصار ليسَ عن لبنان وحسب، وإنما عن سوريا أيضاً، ولو جزئياً».