IMLebanon

واشنطن غائبة عن “الشاشة”… لكنّ ملائكتها حاضرة

 

رغم سياسة رفع السقوف التي يعتمدها الثنائي الشيعي في ردّه على ترشيح جهاد أزعور من جانب القوى المعارضة و»التيار الوطني الحر»، والتي تعكس هول الصدمة التي تلقّاها «حزب الله» تحديداً، من جرّاء انضمام جبران باسيل إلى اصطفاف المعارضة من خلال التقاطع حول ترشيح وزير المالية الأسبق، إلّا أنّ مسارعة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تحديد موعد للجلسة الانتخابية الـ12، لم تكن أبداً مفاجئة.

مزيج من الأسباب والاعتبارات الداخلية والخارجية، تملي على بري أن لا يُهمل الواقع الجديد الذي فرضه ترشيح أزعور وهو الذي سبق له أن أعلن بوضوح أنّه سيفتح باب البرلمان في حال توفّر مرشحين جديّين. ولا مرشحين جديين أكثر من سليمان فرنجية وجهاد أزعور. فيما هو واثق كلّ الثقة أنّ الأميركيين لا «يمزحون» في مسألة فرض العقوبات على المعطلين والمعرقلين. ولذا كان لا بدّ من تحديد موعد لجلسة انتخابية، يدرك اللاعبون جميعاً أنّها ستنتهي إلى تعادل سلبي.

وهذا ما يدفع إلى استعادة السؤال حول حقيقة الموقف الأميركي من الاستحقاق والملف اللبناني برمّته؟ هل صحيح أنّ الإدارة الأميركية لا تكترث لكل هذه التفاصيل وغير مهتمة بهوية الرئيس المقبل؟ أم أنّ ما يقال في العلن لا يعكس ما يحصل في الكواليس؟

يؤكد لبنانيون على تواصل مستمرّ مع مسؤولين أميركيين، أنّ واشنطن قلقة جداً من تدهور الوضع في لبنان جرّاء الانهيار المتمادي، ولهذا تحرص على تقديم المساعدات لمنع تحلل القوى الأمنية. حتى أن هناك كلاماً عن استعداد الإدارة لتقديم معونة مالية لمعالجة ملف النزوح طالما أن عودة النازحين إلى بلادهم غير متوفرة حالياً. وكلّ ذلك في سبيل الحؤول دون الانفجار الكبير.

دبلوماسياً يقود الأميركيون، وفق المطلعين، سلسلة اتصالات دبلوماسية مع الرياض وباريس لأنهم يخشون من وقوع فوضى كارثية، يرفضونها لاعتبارات كثيرة. يريدون التهدئة وإعادة تفعيل المؤسسات والمضي قدماً في برنامج التعاون مع صندوق النقد، وهو شرط لن يتخلوا عنه، والمدخل يكون من خلال الانتخابات الرئاسية وحكومة فاعلة غير معطّلة بفعل التوازنات السياسية.

ولكنهم لا يريدون أن يكونوا رأس الحربة، فتركوا للفرنسيين من جهة والقطريين من جهة أخرى، تولي المعالجات باتجاه انجاز الاستحقاق. ذلك لأنّهم يحاذرون الغوص في التفاصيل. لذا تراهم «غائبين عن الشاشة»، باستثناء تسطيرهم بين الحين والآخر مواقف نادرة ومحددة. ولكن لا ضغط على أي من القوى ولا إغراءات لأي من القوى. أقله في العلن.

يرفضون خوض غمار أي مرشح مفضّل لديهم كما يمانعون في وضع فيتو على أي مرشح، لاعتبار بسيط هو أنّ أي موقف واضح وحاسم سيرتد بشكل سلبي على هذا المرشح، اذا ما جرى دعمه لأنه سيتعرّض للشيطنة، خصوصاً وأنّهم متيقّنون أنّ أي مرشح سيصل إلى القصر لن يكون على ضفّة الخصومة معهم، فلِمَ الاعتراض المجاني؟

ومع ذلك، فإنّ هذا السلوك خاضع للنقاش بين المسؤولين الأميركيين حيث يرى بعضهم أن الانخراط في الأسماء سلباً أو ايجاباً قد يثير ردة فعل على المستوى اللبناني، يفضل الأميركيون عدم التعرّض لها، وقد يطيح بحظوظ بعض المرشحين المقبولين منهم، وقد يقوي مرشحين غير مقبولين.

ولكن الأكيد، هو أنّ هناك اهتماماً كبيراً من جانب الأميركيين بالرئاسة، والأرجح أكثر من غيرهم، لكنهم يتجنبون التفاصيل، ولو أن بعض المسؤولين يحبذون أسلوب الحسم العلني. لكن إلى الآن استخدمت الإدارة الأميركية «القوة الناعمة»: لا تدخل مباشراً سيحصل الّا من خلال سلّة مواصفات ومن ثم التهديد بفرض العقوبات. فيما اتكلت في المقابل على المسار الدبلوماسي والاتصالات المكتومة.

فرملة الإندفاعة الفرنسية

ولهذا، انصبت جهود بعض المسؤولين اللبنانيين الذين زاروا واشنطن في الفترة الأخيرة على اقناع الأميركيين بفرملة اندفاعة المبادرة الفرنسية. وبالفعل، يقول المطلعون إنّ الأميركيين تواصلوا مع الفرنسيين من باب الطلب لوقف حراكهم الرئاسي الداعم لسليمان فرنجية، بالتزامن مع العمل على دفع القوى المعارضة للتفاهم على مرشح جديد… أكثر من ذلك، يؤكد المطلعون أنّ مسؤولين أميركيين طلبوا صراحة من نواب معارضين فتح أبواب الحوار مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل حول مرشح توافقي بينهم بعدما أرسل الأخير الكثير من الرسائل الدبلوماسية عبر جهات ثالثة، إلى الأميركيين تؤكد رفضه السير بترشيح فرنجية ورغبته بفتح باب الحوار مع المعارضة حول مرشح بديل. وهذا ما حصل.

اذاً، بات جلياً أنّ واشنطن تمارس الضغط باتجاه انتخاب رئيس بسبب تزايد القلق من الفراغ. وقد انصبّ التركيز في الفترة الأخيرة على القوى المعارضة كون الفريق الآخر متسلح بترشيح رئيس «تيار المردة». من هنا حصل المجهود الذي انتهى إلى تقاطع حول اسم جهاد أزعور. حتى أنّ الفرنسيين يتعاملون مع هذا الترشيح وفق المطلعين على أنه مقبول. والآن تحوّلت الأنظار إلى البرلمان وسط تهديد بفرض العقوبات على المعرقلين والمعطّلين.

في هذا السياق، يقول المطلعون إنّ الكونغرس هو الأكثر تشدداً وحماسة (من جانب الحزبيْن الديموقراطي والجمهوري) ويضغط بشكل واضح لفرض العقوبات. أمّا في الإدارة فثمة رأيان: رأي يقول إنّه يمكن ابرام تفاهم مع الرئيس نبيه بري لا سيما وأنّ التواصل معه جارٍ على قدم وساق لا سيما من جانب مسؤولين أميركيين تعاطوا مع بري في قضايا أخرى منها ترسيم الحدود البحرية، وذلك للاتفاق على اسم غير فرنجية، على أن يضمن بري فتح باب البرلمان لاجراء الانتخابات، خصوصاً وأنّه صار للمعارضة مرشح مقبول دولياً، ومحلياً (باستنثاء رفض الثنائي الشيعي له)، وبالتالي لا يفترض أن تبقى أبواب المجلس مغلقة.

في المقابل، ثمة رأي في الإدارة الأميركية يقول إنّ الأوروبيين شرّعوا فرض عقوبات على من يعرقل المسيرة الديموقراطية في لبنان، وهي وضعت عشية اجراء الانتخابات النيابية وبالتالي لا مانع من استخدامها في الانتخابات الرئاسية، وثمة مشاورات مع الأوروبيين بخصوص لبنان لاستخدام هذه القوانين، ذلك لأنّ التشريعات الأميركية لا تتضمن آلية قانونية تتيح استخدام العقوبات بحق معرقلي الانتخابات. ولهذا يتمّ البحث عن آليات قانونية تتيح فرضها.

الأكيد أنّ الاهتمام صار موجهاً الى جلسة 14 حزيران، وما قبلها من مشاورات، وما بعدها من معادلة انتخابية جديدة.