Site icon IMLebanon

واشنطن نصحت الرياض: ردّ إعتبار الحريري

 

أنتجت زيارة الموفد السعودي للبنان إعادة فتح الطريق المباشر بين الرئيس سعد الحريري والقيادة السعودية. لكنّ الحديث عن إنجاز تسوية أو إعادة صوغ محتوى العلاقة السياسية بين الطرفين من المفترض أن يتحدّدَ بعد انتهاء زيارة الحريري للرياض كون الموفد السعودي لم يكن يحمل في الأساس هذه المهمة.

في السابق وبعد انتهاء أزمة «استقالة» الحريري في السعودية وعودته الى لبنان عبر البوابة الفرنسية توالت نصائح الدول الغربية، ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية بضرورة احتواء الاضرار التي وقعت والعمل على عدم قطع الروابط مع السعودية، لا بل تحسينها بالمقدار المستطاع لما فيه مصلحة الحريري بالذات.

وفي المرحلة اللاحقة عمل عدد من الأطراف في اطار المساهمة لإعادة العلاقة الجيدة بين القيادة السعودية ورئيس الحكومة اللبنانية. لذلك زار موفد إماراتي لبنان بعيداً من الاعلام والتقى الحريري طويلاً قبل أن يسافر الى الرياض مباشرة.

كذلك عمل وزير الخارجية السعودية، وهو الذي يحظى بعلاقة صداقة مع الحريري منذ ايام الجامعة، محاوِلاً تحسين العلاقة. وهذه المحاولات التي شاركت في جوانب منها أيضاً أطراف أوروبية أنتجت توافقاً على لقاء يجمع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بالحريري في لندن في التاسع من شباط. يومها غاب الحريري عن القداس الاحتفالي بعيد مار مارون وتوجّه الى العاصمة البريطانية. لكن لسببٍ أو لآخر بدّل وليّ العهد السعودي قرارَه ولم يحصل اللقاء.

وبعد ايام وفي احتفال «بيال» في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بدا الجوُّ «مكهرَباً». صحيحٌ أنّ السفير السعودي حرص على الحضور، لكنّ هنالك مَن يعتقد أنّ الحريري وجّه رسائل متعدّدة الى السعودية سواءٌ في الشكل أو في المضمون.

فالحضور الذي أراده حاشداً وصافياً كان لتجديد القول إنّ «زعامته حقيقية ولا تأتي من أحد». وفي كلمته تحدّث بلغة «مرمّزة» مع السعودية بحيث تفهم وحدها ماذا يقول لأنه أتى جواباً على نقاشات الكواليس.

تحدّث عن إبعاد لبنان عن سياسة المحاور وعن الاستقرار وعن رفضه الميليشيات وعن قبوله الاستمرار من دون مال.

اعتبر البعض أنّ 14 شباط كانت رداً على 9 شباط، لكنّ الحركة في الكواليس عادت لتنشط بقوة. قيل إنّ نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد سأل الحريري خلال وجوده الأخير في بيروت عن علاقته بالرياض.

عند الجانب الاميركي تحرّكت الديبلوماسية ووجّهت نصائح انطلاقاً من قراءة للخريطة السياسية في المنطقة. فبقاء «الجفاء» السعودي مع الحريري سيدفع بالأخير الى الارتماء أكثر فأكثر في احضان تركيا، وربما قطر، وبالتأكيد فرنسا كمرجع دولي. كما أنه سيجعل الحريري مكشوفاً في وجه «حزب الله» وبالتالي في موقع ضعيف في المعادلة وهو ما لا يفيد بتاتاً. ونصحت الديبلوماسية الاميركية بتجاوز الماضي واحتضان الحريري مجدّداً من خلال زيارة ردّ اعتبار له بعد كل ما مرّ به، والوقوف على كرامته.

وسمع الديبلوماسيون الأميركيون أنّ الازمة التي حصلت مع الحريري كانت خطأً من حيث الشكل وهذا إقتناع الجميع، وجرت محاسبة داخلية حولها. لكن في المضمون فهي جاءت في إطار ما بات يُعرف بملف «الريتز كارلتون» وأنّ هذا الملف أُغلِق وأصبح من الماضي.

ووفق هذا المناخ حصلت زيارة الموفد السعودي الى لبنان بعد تأجيلها مرات عدة وبالتالي كان المقصود ردّ الاعتبار، وفي الوقت نفسه، ما يشبه سحب التبرير من الساعين الى إبقاء العلاقة سيّئة بين الحريري والرياض.

وكان واضحاً طلب الحريري بردّ اعتباره عندما كان يطالب العاملين على خط ترميم العلاقة بينه وبين السعودية بأن يحظى بدعوة رسمية لزيارة المملكة وباستقبال رسمي، وهو ما حصل خلال زيارة الموفد للحريري في مكتبه في مقرّ رئاسة الحكومة. وتردّد أنّ الحريري كان مرتاحاً جداً لنتيجة لقائه بالموفد السعودي وتحدّث بإيجابية امام حلقته الضيّقة معوِّلاً آمالاً على زيارته للسعودية.

لكنّ الموفد السعودي أكثر من رسائله ولو من حيث الشكل.

– صحيح أنه زار قصر بعبدا «متمِّماً واجباته» الرسمية، لكنّ اللقاء لم يتجاوز العشر دقائق.

– لم يشمل برنامج اللقاءات وزير الخارجية جبران باسيل.

– تناول طعام الفطور مع الرئيس نجيب ميقاتي وكان الحديث ودّياً معه وعلى أساس ضرورة التوحّد وأنّ للجميع مكاناً في قلب السعودية.

– اللقاء الحار في معراب ومأدبة العشاء وتعمّد الموفد السعودي نزار العلولا اعتبارَ منزل جعجع بأنه «منزله» بعدما كان بيت الحريري يُعتبر سابقاً بيت السعوديين. وفي المقابل تعمّد جعجع الحديث عن الانتخابات النيابية مع الموفد السعودي.

بالتأكيد لم تكن مهمّة الموفد البحث في تسوية أو مشروع داخلي كامل متكامل لكنه أراد إبراز الاهتمام الكبير بعلاقة الرياض مع معراب نتيجة الشكوى الموجودة من الفاتورة التي دفعها جعجع وأدّت الى شبه عزلة بسبب موقفه المتحالف مع السعودية.

وجرى نقاش حول التحالفات الانتخابية وشكوى جعجع من موقف الحريري «الغريب» بعدم التحالف معه.

في السعودية جاء برنامج زيارة الحريري حافلاً. لقاء مع الملك كما مع ولي العهد. لكنّ العارفين يقولون إنّ اللقاء الأهم سيكون مع مسؤول سعودي مهمته الحديث في العمق في الملف اللبناني. والأوساط الديبلوماسية تقول إنّ هذا المسؤول سيستمع الى مطالب الحريري ورؤيته حول الانتخابات وتحالفاتها وتوازنات المجلس النيابي المقبل وحلفاء السعودية في لبنان وضرورة توازنهم مع حلفاء إيران.

وقد يشهد هذا اللقاء بحثاً صريحاً في الدعم السياسي والمالي المطلوب ولكن على قاعدة إعادة لمّ شمل قوى 14 آذار، أو على الأقل، الحدّ من تنامي قوة «حزب الله».

ووفق الأوساط نفسها ستعمل السعودية على وضع الكرة في ملعب الحريري وانتظار ما سيظهر منه. وبالتالي فإنّ المشهد الانتخابي ما يزال في حاجة لبعض الوقت قبل أن يتظهّر، وتحديداً بعد عودة الحريري وظهور نتائج محادثاته في السعودية.