IMLebanon

واشنطن: مغامرة  في وحول عربية؟

غداة 11 أيلول 2001، قال لي صديق خدم في الإدارة الأميركية أكثر من ربع قرن، «إن الحركات الإرهابية ستبقى معنا مئة عام»، مفسراً نظريته من خلال نتائج حتمية لما حصل في التاريخ.

قضى التحالف الغربي في الحرب العالمية الأولى على السلطنة العثمانية، قال الصديق. ثم أتى كمال أتاتورك وقضى على الخلافة الإسلامية التي استمرت منذ القرن السابع الميلادي. بعد الحرب الأولى فرض الغرب نظاماً سياسياً جديداً فأقام دولاً في شرق المتوسط ضمن حدود لم ترسم يوماً في التاريخ. فشلت بعد الاستقلال التجربة السياسية النخبوية لهذه الدول وفشلت بعدها التجارب القومية والإشتراكية والشيوعية والعسكرتاريا في عدد منها، وبرز شعار «الإسلام هو الحل».

أضاف الصديق، أن هذا التيار الإسلامي حاقد على الغرب وعلى الأنظمة العربية القائمة، ولا سبيل له إلى تحقيق مآربه سوى الإرهاب. وميّز الصديق بين إرهاب المتطرفين السنّة وإرهاب المتطرفين الشيعة: «فبينما يمارس المتطرفون الشيعة الإرهاب كي يصبح لهم مركزهم وعنوانهم وربما بلدانهم والالتحاق بركب التقدّم الدولي، يهدف إرهاب المتطرفين السنّة الحاقد على الغرب إلى الدمار والقتل بغض النظر عن براءة الضحايا، كما يحاول إعادة العالم، وخاصة العالم الإسلامي، إلى قرون ولّت. وإلى النفسية الحاقدة، هناك القدرة على استعمال التكنولوجيا الحديثة المدمّرة التي ابتدع معظمها الغرب، خاصة أن إرهابيي 11 أيلول متخرّجون من جامعات أميركية وأوروبية، ولدى منظماتهم المال الوفير لشرائها».

لذلك، أنهى الصديق كلامه بقوله: «سيستمر الإرهاب طويلاً في حربه على المصالح الغربية والأنظمة العربية «صنيعة الغرب والاتحاد السوفياتي».

وقال لي صديق آخر رحمه الله – الكاردينال بيو لاغي الذي خدم دولته أكثر من عقد من الزمن سفيراً في واشنطن – إنه حمل رسالة من قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى الرئيس جورج بوش الابن عشية الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003. انطلقت الرسالة من الخبرة الطويلة للفاتيكان مع العالم العربي، ومحاولة ثني الرئيس بوش عن اجتياح العراق لأنه سيفشل كما فشل غيره من الأوروبيين الذين حاولوا، لقرون خلت، تغيير طابع تلك البلدان والمناطق وأنظمتها. طبعاً لم ينجح الموفد في مهمته، ولم تنجح الولايات المتحدة في اجتياحها العراق. واليوم الرئيس أوباما يحاول تصحيح ما هدمه سلفه أمنياً وسياسياً.

أمام هذا الواقع، تقف السعودية يتيمة في الدفاع عن أهل السنّة (العرب) وعروبة المنطقة.

من جهة أولى تواجه السعودية إيران وسوريا والشيعة العرب الذين يعتقدون انهم حُرموا لقرون طويلة في المشرق العربي من المساواة في المواطنية الحقة إسوة بغيرهم من المسلمين.

ومن جهة أخرى تواجه المملكة تحالف قطر والإخوان المسلمين (وربما «داعش») وتركيا التي يحاول رئيسها رجب طيّب أردوغان استعادة عصر السلطنة بالهيمنة السياسية على العرب.

وتقف مصر إلى جانب السعودية، لكنها مشغولة بإعادة تكوين ذاتها وحلّ مشاكلها الداخلية، الاقتصادية والأمنية والسياسية، بالإضافة الى انشغالها في الفوضى الليبية.

كثيرة هي القضايا العالقة بين هذه المحاور بدءاً باليمن، مروراً بالعراق والبحرين وسوريا وغزّة، وصولاً إلى لبنان. إنه صراع عنيف وقاتل، والأول من نوعه في التاريخ الحديث للمنطقة.

وللمرّة الأولى تقف إسرائيل التي تُتهم دائماً بأنها صانعة هذه المشاكل، متحيّرة لا تعرف مَن تؤيّد أو تعادي: الأعداء التقليديين المتمثلين بالأنظمة العربية شبه الفاشلة، أم الأعداء الجدد المتمثلين بـ«داعش» وأخواتها الذين يتجاهلون حالياً وجودها ويركزون على إضعاف الأنظمة العربية القائمة وهزمها.

هنا يبرز دور واشنطن.

أعلن الرئيس أوباما ـ بأسلوب غير مباشر – أن واشنطن لن تتحمّل وحدها عبء تحرير المنطقة من داعش ولن تقوم باحتلال أي مساحة من العراق وغيرها، وهي تريد بالأخص مشاركة سنّية عربية ومن ضمنها العشائر السنّية في العراق. كذلك أعلن أوباما عن اتفاق مع السعودية على تدريب «جيش سوري حر» يتركز في المدن والمحافظات التي ينسحب منها داعش بفعل الضربات الأميركية. هذا الاتفاق – إذا نُفّذ – يعني تبديلاً في الاستراتيجيا السعودية التي ارتكزت لغاية اليوم، في الحرب السورية، على دعم منظمات اسمها «إسلامية»، وربما قبلوا اليوم ضمّها إلى «الجيش الحر».

وبالرغم من أن الاستراتيجيا الأميركية الجديدة تتجاهل إيران وسوريا، إلا أن البلدين، وبرغم معارضتهما المفهومة لتفاهم جدة، سيستفيدان إلى حدٍ ما من إضعاف داعش وأخواتها وإنهائها. ومن الملفت للنظر أن واشنطن خالفت الاقتراح التركي باستهداف النظام السوري عندما ستستهدف داعش في سوريا. كذلك، فإن تدريب خمسة آلاف متطوع سوري أو أكثر في السعودية للمساعدة في محاربة داعش، لن يشكّل خطراً على النظام السوري الذي يحصر اهتماماته حالياً في النصف الغربي من البلاد.

لذلك، وكما أكد أوباما، فإن الحرب على الإرهاب طويلة كما أشار الصديق الأول، وأن التورّط في الوحول العربية غير مريح ولا مربح كما أكد الصديق الثاني.