في وقت كانت الصحف الفرنسية تعلن عودة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، تأكد أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سوف يستقبل في 19 تشرين الأول الجاري نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وإذا كانت السياسة الفرنسية طوال ولاية هولاند تميّزت بالتنسيق والتناغم مع إدارة باراك أوباما، فإن الكشف عن القمة الفرنسية-الروسية في لحظة «إعلان» الحرب الباردة يطرح أكثر من علامة استفهام.
علامة الاستفهام لا تتصل هنا بتمايز فرنسي عن سياسة الولايات المتحدة الأميركية، إنما بجدية «الحرب الباردة» وبأهدافها الحقيقية.
وفي هذا السياق، لا تأخذ الدوائر الأوروبية المعنية على محمل الجد هذا الصراع المعلن بين واشنطن وموسكو، بل تعتبر أن له خلفيات إنتخابية، عشية التصويت لخليفة باراك أوباما في البيت الأبيض.
وتشير هذه الدوائر إلى أن عناوين الصراع المعلن بين إدارتي أوباما وبوتين لا جديد فيها على الإطلاق، بل هي تسحب من الجوارير نقاطا سبق وجرى التنافس بشأنها، فلا الملف الأوكراني جديد ولا الملف السوري طارئ.
وتفيد بأن ما يقوم به النظام السوري مدعوما من طهران وموسكو يستحق الإدانة، لأنه جريمة حرب موصوفة، ولكن ما سبق وقام به هذا المحور العسكري في مناطق أخرى في سوريا لا يقل ضراوة وعنفا وإجراما عما يحصل في حلب حاليا، وتاليا فإن ذلك لا يمكن أن يبرر إعلان العودة إلى الحرب الباردة.
ووفق هذه الدوائر الأوروبية، فإن خلفية التأزيم الأميركي، وحتى لا يقع أحد في خطأ تقييمي، يفترض التفتيش عنها في مكان آخر، وتحديدا في مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية.
كيف ذلك؟
في الشرح يظهر أن فلاديمير بوتين دخل، بقوة، من خلال مواقف المرشح الجمهوري دونالد ترامب، على الانتخابات الأميركية، حتى درج البعض على اعتبار أن هناك حلفا يجمع «القيصر الروسي» بـ»المجنون الأميركي«.
وهذا يعني أنه في تصوّر الناخب الأميركي هناك نوع من الإندماج بين صورتي بوتين وترامب، وتاليا إذا بقيت صورة الرئيس الروسي تمثل شراكة مع الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة الإرهاب، كما كان حاصلا منذ تراجع الرئيس باراك أوباما عن قرار توجيه ضربة عسكرية إلى بشار الأسد، فهذا يعني أن هناك نقاطا ستصب لمصلحة ترامب على حساب غريمته الديمقراطية هيلاري كلينتون المدعومة، بقوة، من أوباما الذي يفعل المستحيل في الآونة الأخيرة للحيلولة دون وصول نقيضه إلى البيت الأبيض.
وتأسيسا على هذه النظرة للأمور، فإن «أبلسة» فلاديمير بوتين في هذه اللحظة الأميركية بتصويره أنه عدو الولايات المتحدة الأميركية، لها تأثيرات إيجابية على حملة كلينتون الانتخابية.
وتشير الدوائر الأوروبية إلى أن هذه القراءة لن تدفع بأي دولة أوروبية في هذا التوقيت بالذات إلى تبنّي الخط الأميركي المتشدد وتاليا إلى رفع منسوب الضغط على روسيا إلى مستوى جديد.
وتفيد بأنه من الآن وحتى انتهاء الانتخابات الأميركية لا بد من التعاطي بحذر شديد مع العداء الأميركي لروسيا والإمتناع عن بناء أي نتائج عليه، لأنه لا بد من الاشتباه بأن مخرج «هاوس أوف كارد» يصوّر حلقة حيّة من مسلسله الشهير.