“ما الجديد في موقف روسيا من الأزمة السورية ومن نظام الرئيس بشار الأسد؟ الجديد ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ إدارة الرئيس باراك أوباما انه مستعد لأن يناقش مع المسؤولين الأميركيين سبل تحقيق تعاون جدي بين البلدين من أجل العمل على وقف الحرب وإنجاز السلام في سوريا، وترك الباب مفتوحاً أمام احتمال التفاهم على صيغة أميركية – روسية مشتركة لانتقال السلطة من نظام الأسد الى نظام جديد تعددي يضمن في وقت واحد وحدة البلد ومصالح كل مكونات الشعب السوري وحقوقهم ويحافظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة”. هكذا اختصر مسؤول غربي في باريس وثيق الإطلاع على تطورات هذه القضية حقيقة الإتصالات والمشاورات الأميركية – الروسية الراهنة والمتعلقة بسوريا.
وقال إن عاملين أساسيين يدفعان الأميركيين والروس الى مناقشة إحتمالات التفاهم على صيغة مشتركة للتعاون جدياً في سوريا، بقطع النظر عن خلافاتهم على قضايا أخرى، من أجل إيجاد حل سياسي حقيقي شامل لأزمتها وهما: الأول – ان نظام الأسد أثبت بوضوح، وعلى رغم الدعم الروسي – الإيراني الكبير له، عجزه عن ضبط الأوضاع والإمساك بسوريا مجدداً وحماية البلد والمجتمع من الانهيار والتفكك والحفاظ على الدولة ومؤسساتها. والثاني – ان النظام فشل في وقف تمدد “داعش”، بل ان هذا التنظيم الإرهابي عزز نفوذه ومواقعه بطريقة مثيرة للقلق في ظل حكم الأسد وبالتواطؤ معه كما يقول الأميركيون والفرنسيون، مستغلاً الضعف المتزايد الكبير للنظام والفوضى الواسعة في البلد. وهذه التطورات تشكل خطراً على المنطقة عموماً وليس على مصير سوريا وحدها مما يتطلب تعاوناً حقيقياً بين واشنطن وموسكو لمواجهة خطط “داعش” وإحباطها.
وأوضح المسؤول الغربي ان المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم وزير الخارجية جون كيري ركزوا في لقاءاتهم ومشاوراتهم الصريحة مع بوتين ومعاونيه على الأمور الآتية:
أولاً – حان وقت العمل معاً من أجل تحقيق الإنتقال الى مرحلة ما بعد الأسد وعدم الإكتفاء بالتحدث عن هذا الخيار الحتمي بقطع النظر عن موعد حصوله.
ثانياً – مواصلة التمسك بنظام الأسد والرهان عليه سياسة روسية خاطئة إذ ان كل ما كانت تتخوف منه موسكو حصل وتحقق في ظل حكم الأسد! فالحرب المدمرة ليست لها نهاية وقد أفلتت من قبضة النظام وحلفائه، وسوريا تواجه جدياً احتمال التفكك والإنهيار، والدولة لم يعد لها وجود حقيقي، وتقلص نفوذ النظام الى أدنى حد وقت ازداد واتسع نفوذ القوى الإرهابية وعلى رأسها “داعش” وبات يهدد الأمن والسلم الإقليميين والدوليين وخصوصاً نتيجة الترابط الوثيق بين الساحتين السورية والعراقية.
ثالثاً – ترى إدارة أوباما ان رحيل الأسد والمرتبطين به عن السلطة وقيام نظام جديد في إشراف دولي – إقليمي شرطان ضروريان لإنهاء الحرب وحل الأزمة سياسياً ولتقليص نفوذ “داعش” تمهيداً للقضاء عليه.
رابعاً – ترى إدارة أوباما ان نظام الأسد لم يعد يحقق مصالح روسيا في سوريا أو في المنطقة وان موسكو عاجزة وحدها أو مع طهران عن حل الأزمة. والإدارة الأميركية مستعدة للتعاون جدياً مع القيادة الروسية من أجل تنفيذ الإنتقال الى مرحلة ما بعد الأسد بطريقة مدروسة وإنهاء الأزمة وتحقيق مطالب كل مكونات الشعب وضمان المصالح الروسية المشروعة وإشراك دول إقليمية وغربية مؤثرة في هذه العملية السياسية.
خامساً – أثبت الخيار العسكري فشله بوضوح، والحل السياسي الحقيقي الشامل للأزمة يجب أن ينطلق من الاتفاق الأميركي – الروسي على العمل معاً وبالتعاون مع الدول المؤثرة والقوى السورية المؤيدة للسلام وإعطاء الأولوية لتشكيل هيئة حكم إنتقالي تضم ممثلين للنظام وللمعارضة الحقيقية وتملك وتمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها كل مؤسسات الدولة وأجهزتها إستناداً الى ما نص عليه بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 والذي يشكل أفضل صيغة للحل خصوصاً ان هذا البيان يتمتع بشرعية دولية وإقليمية وقد تبناه مجلس الأمن ودعمته كل الدول المعنية باستثناء إيران. ولن يكون للأسد والمرتبطين به أي دور في المرحلة الإنتقالية وفي مستقبل سوريا إذ ان هيئة الحكم تنهي نظام الأسد.
وأفاد المسؤول الغربي “أن القيادة الروسية لم تتمسك ببقاء الأسد في السلطة وأبدت إستعدادها للتعاون مع الإدارة الأميركية في الحرب ضد “داعش” وللعمل على إيجاد حل سياسي حقيقي للأزمة على أساس تطبيق بيان جنيف. والتطور الجديد ان القيادة الروسية تريد تصوراً عملياً مفصلاً لمرحلة ما بعد الأسد وقد وافقت، للمرة الأولى، على ضرورة اجراء محادثات أميركية – روسية على مستويات مختلفة تتركز على مناقشة كل ما يتعلق بطريقة الإنتقال الى مرحلة ما بعد الأسد وسبل تحقيق التغيير الكبير في سوريا. وفي انتظار ذلك، تستمر الضغوط الإقليمية – الغربية داخلياً وخارجياً على نظام الأسد الذي يواجه الهزائم بعد الهزائم”.