واشنطن وموسكو بإمكانهما سحب فتيل المواجهة العسكرية من خلال علاقاتهما المؤثِّرة بكل الأطراف
وحدة الموقف الداخلي تدعم تحرُّك الحريري الدولي لتحصين لبنان من تداعيات الإعتداء الإسرائيلي الأخير
كل التحرُّكات والمساعي السياسية والدبلوماسية ستبقى محدودة التأثير، ما دام القرار الداخلي غير موحد وما دام البعض يحاول التفرد بهذا القرار
منذ وقوع الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية فجر الأحد الماضي وما تلاه من تهديدات أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بالرد على هذا العدوان من لبنان، ادرك رئيس الحكومة سعد الحريري خطورة ما حصل وأنه لا بدّ من التحرّك السريع وبذل كل الجهود الممكنة، داخلياً وخارجياً، لتطويق ذيوله ومنع تحوله إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين إسرائيل و«حزب الله» كما حصل في تموز العام 2006 أو غيرها من الحروب والاعتداءات الإسرائيلية التي تعرض لها لبنان من قبل، لأن ذلك سيؤدي إلى ضرر كبير سيلحق بلبنان واللبنانيين.
ولذلك، كان لا بدّ من القيام بالاتصالات اللازمة مع المجتمع الدولي ولا سيما مع أصدقاء لبنان تحديداً وخصوصاً الفاعلين والمؤثرين منهم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا، لشرح الأبعاد والمخاطر المحدقة بلبنان جراء هذا الاعتداء الإسرائيلي، وهو الاعتداء الأوّل والمباشر الذي ينتهك القرار 1701 المدعوم دولياً، ويتجاوز التفاهمات الضمنية المعمول بها من كلا الطرفين، إسرائيل و«حزب الله» لعدم القيام بأي اعتداءات ضمن الأراضي اللبنانية أو انطلاق أي أعمال عسكرية من داخل الأراضي اللبنانية ضدها كما كان يحدث من قبل، ما أدى إلى استتباب الأمن وترسيخ الهدوء على طول الحدود الدولية طوال السنوات الماضية والتفاهم على إبقاء الصراع الدائر في سوريا محصوراً هناك.
فهذا الاعتداء الإسرائيلي الذي حصل على الضاحية الجنوبية في هذا الوقت وتحت أي ذريعة أو مبرر كان، يؤشر إلى واقع جديد، يطيح بالتفاهمات السابقة، ويفتح الأبواب على تصعيد عسكري محتمل جراءه، لا يُمكن التهكن أو تحديد إطاره الجغرافي أو الزمني، لا سيما بالتزامن مع ازدياد حدّة الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران في المنطقة عموماً، والولايات المتحدة وإيران في أكثر من منطقة بالعالم، ما لم يتم استيعابه سريعاً ومنع انفلاته باتجاهات غير محسوبة.
فالتحرك الذي يقوم به الرئيس الحريري دولياً، وإن بدأه باتصال مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أولاً باعتبار الولايات المتحدة الأميركية الحليف الأساسي والأقوى لإسرائيل في المنطقة والعالم وباستطاعتها لعب دور مؤثر وفاعل للجم أي تهديدات توجه ضد لبنان كما كان يحدث في حروب واعتداءات وأزمات من قبل وبإمكانها تهدئة الأوضاع ومنع تفاقمها نحو الأسوأ، كذلك فإن لروسيا دوراً مؤثراً كذلك بالمنطقة بعد الانتشار والتواجد العسكري الروسي الواسع بفعل تدخلها بالحرب السورية قبل سنوات.
ولا شك أن الرئيس الحريري سيستعين بصداقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين الروس لدعم مطالب لبنان في مواجهة المخاطر المحدقة جرّاء تصاعد حدة الاعتداءات الإسرائيلية وبإمكان القيادة الروسية المساعدة في هذا المسعى من خلال علاقاتها الجيدة مع كل من إسرائيل وإيران و«حزب الله» على حدّ سواء، الأمر يؤمل منه ان يدعم المساعي الديبلوماسية اللبنانية لتفادي تداعيات الاعتداء الإسرائيلي على لبنان ومنع إنزلاق الوضع العسكري إلى مزيد من التصعيد، والمساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار الذي يهم روسيا وهو ما أكدت عليه مراراً في مواقفها تجاه لبنان في كل مرّة يتعرّض فيه الوضع للاهتزاز جرّاء تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضده.
وكما هي المساعي والجهود الدولية المبذولة مهمة لاحتواء التصعيد وتداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، كذلك فإن للموقف الداخلي اللبناني تأثيراً مباشراً ومهماً لنجاح هذه المساعي لتأخذ مفاعيلها وتدعم لبنان في مواجهة ما يتعرّض له هذه الأيام على أكثر من مستوى.
ولا بدّ إزاء ذلك من التفاهم بين أقطاب السلطة والسياسيين البارزين على موقف داخلي موحد في ما بينهم واتخاذ القرار العقلاني المناسب على مستوى لبنان كلّه لمنع أي طرف كان من الاستئثار بالقرار الداخلي على حدة وجرّ لبنان إلى مواجهة مع إسرائيل واستعمال لبنان كساحة صراع ومواجهة لحساب مصالح واهداف دول أخرى كإيران مثلاً كما حدث في السابق وفي مواجهات وحروب جرّت على لبنان واللبنانيين ويلات ومهالك ودماراً ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم.
فكل التحركات والمساعي السياسية والدبلوماسية ستبقى محدودة التأثير في تحصين ودعم لبنان والحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته، ما دام القرار الداخلي غير موحد ومجزأ وما دام البعض يحاول التفرد بهذا القرار من جانب واحد تحت شعارات ومبررات مرفوضة ولم تعد تقنع اللبنانيين، والأجدى للجميع اتخاذ موقف وطني موحد بالرغم من كل التباينات السياسية، لأنه السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان ومنع الاعتداءات الإسرائيلية عنه أو التخفيف من تداعياتها وأضرارها السلبية.