IMLebanon

واشنطن وباريس في اتجاهين متعاكسين

 

عن الفرنسيين والاميركيين ايضاً وايضاً، يقول مصدر مطلع على الموقف الاميركي، أنّ الجانبين التقيا في منتصف الطريق من لبنان وإليه. الأميركي كان خارجاً مبتعداً عن الساحة اللبنانية لتعبه منها ومن التعاطي مع السياسيين اللبنانيين، والفرنسي آتٍ الى لبنان بعد إنعدام اهتمام طويل، فوجدا انفسهما في الموقع نفسه ولكن في اتجاهين متعاكسين.

الاميركي، يقول المصدر، بدأ يبتعد شيئاً فشيئاً عن الساحة اللبنانية، فيما الفرنسي يقترب ويرفع وتيرة اهتمامه بها، بنسبة اكبر مما كان عليه هذا الاهتمام قبل شهرين.

 

والفارق بين الجانبين، هو أنّ الاهتمام الاميركي بلبنان لم يعد اولوية لدى واشنطن في هذه المرحلة، حيث يركّز على انتخابات الرئاسة الاميركية المقرّرة في تشرين الثاني المقبل، كذلك يركّز على اجراء مفاوضات مع ايران، علّها تحصل قبل هذه الانتخابات، ما جعل لبنان تفصيلاً في السياسة الاميركية حول ايران والشرق الاوسط.

 

وفي هذا المجال، يضيف المصدر، يبدو انّ الاميركي قد ترك «مساحة لبنانية» للفرنسي، ويمكن أن يوسعها امامه اكثر، فيما الفرنسي آتٍ الى لبنان بجزء من سياسة جديدة بدأها في الشرق الاوسط عنوانها الكبير «مواجهة تركيا» ولذا، تبدو الأولوية الفرنسية هي مواجهة تركيا. ويعود المصدر الى القول، إنّ الاميركي والفرنسي كلاهما في نفس الموقع، لكن نظرة كل منهما شاخصة الى اتجاه معاكس، وكلما ابتعد الاميركي عن لبنان كلما ازدادت قابليته لفرض العقوبات. فعندما كان قريباً من لبنان كان متفهّماً أكثر لوضع «حزب الله» وللعلاقة بين الحزب و»التيار الوطني الحر»، لكنه الآن لم يعد متفهماً لها ولا متقبّلاً، ويمكن ان يذهب الى فرض عقوبات على الطرفين وحلفائهما. وفي المقابل، فإنّ الفرنسي لا يتحدث عن عقوبات على «حزب الله» وغيره، ولذلك لا حراجة لديه في عقد لقاءات مع «حزب الله»، ولذا لاحظنا كيف انّ ماكرون التقى رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد وآخرين في الحزب في لقاءين منفصلين.

 

ويضيف المصدر المطلع على الموقف الاميركي، ان ليس هناك تنسيق اميركي – فرنسي للوصول الى نهاية محدّدة للوضع في لبنان، وليس هناك سباق مع الوقت بين الجانبين. فالاميركيون يتحدثون أكثر عن العقوبات التي يمكن ان يفرضوها على «حزب الله» وحلفائه، ولذلك لم يلتقِ مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل اثناء زيارته الاخيرة لبيروت، خلافاً لزيارته السابقة التي التقاه خلالها لأكثر من ساعتين في ما سُمّي يومها «خلوة البياضة»، حيث منزل باسيل في اللقلوق.

 

والفرنسيون والأميركيون ليسوا متفقين على الوصول الى مكان واحد، والسبب أنّ هناك سباقاً حامياً ما بين اتفاق اميركي – ايراني، تعمل واشنطن بقوة للوصول اليه، ومن شأنه ان يلقي بظلاله على لبنان، وبين سعي فرنسي لإيجاد حل في لبنان بين الأفرقاء السياسيين، قبل ان يلقي ذلك «الاتفاق الكبير» بين واشنطن وطهران بظلاله على لبنان.

 

يعتقد المصدر، أنّ ما قاله وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل اثناء زيارته الاخيرة لبيروت، في معرض الحديث عن أنّ الولايات المتحدة تعاملت مع حكومات لبنانية كان يشارك فيها «حزب الله»، وأنّها مستعدة لمثل هذا التعاون مجدداً، لا يعني أنّ القرار في يده في هذا الشأن. فلو انّ الامر كذلك لكان التقى باسيل. لكن عدم حصول اللقاء يعني أنّ الاميركيين لم يعد امر استمالة «التيار الوطني الحر» اليهم وارداً. لذلك قد يتعاملون بالعقوبات مع التيار. والغريب أنّ هيل أكّد انّ واشنطن لن تقدّم اي مساعدات للبنان. حتى انّ الكلام الاميركي عن دعم الجيش اللبناني قد توقف في الآونة الأخيرة، وهذا الموقف قد ينطبق على كل الآليات التي تُمسك بها واشنطن واهمها صندوق النقد الدولي.

 

وينتهي المصدر من سرد هذه المعطيات ليقول، انّ نوعية العلاقة والتعاطي الاميركي مع لبنان قد تغيّرت، وأن هناك شيئاً تغيّر في العلاقة بين لبنان والولايات المتحدة، التي لن تستمر في التعامل بأسلوب ما قبل زيارة هيل في الحديث عن تقديم مساعدات.

 

ويضيف المصدر، انّ الفرنسيين لا يقدّمون مساعدات، لكن لديهم علاقات مع لبنان واسلوباً يختلف عن الأسلوب الاميركي، وإنّ تعاطيهم مع كل القوى السياسية في لبنان بمن فيهم «حزب الله»، امر ترى فيه ايران ما يفيدها، لأنّ الفرنسي إذا لم يكن على علاقة وتواصل مع»الحزب» أمر «قد يفقده اي شرعية»، فمن يعطيه هذه الشرعية ليس مجلس النواب اللبناني وانما مجلس النواب الفرنسي، الذي لم يصنّفه منظمة ارهابية، على حدّ قول المصدر. ولذلك، عندما يزور الفرنسي لبنان يستمع له «الحزب» جيداً والعكس صحيح. ولدى فرنسا قوة سياسية كبيرة مع «حزب الله»، وهذا الأمر تعرفه ايران جيداً. والذي سيطور حقل «بارس» الغازي الايراني – الجنوبي مقابل الحقل القطري في الخليج هو شركة TOTAL الفرنسية. والايرانيون يحتاجون في هذا المجال لرأس المال وللتقنيات لتطوير هذا الحقل، لكن ما يحرجهم هو الموقف الفرنسي من سوريا. على انّ فرنسا بمقدار ما لديها من نفوذ في لبنان ليس لديها اي نفوذ في اسرائيل ولا اي ورقة ضغط في العلاقة بين اسرائيل ولبنان. وعندما يتحدث رئيس مجلس النواب نبيه بري عن التقدّم في مجال ترسيم الحدود، فذلك له علاقة بالورقة الاميركية، حيث أنّ لأميركا اوراق ضغط في اسرائيل وفي سوريا.

 

ويعتقد المصدر المطلع على الموقف الاميركي، انّ تسوية أخرى آتية في الطريق بعد انتهاء الانتخابات الاميركية، وهي تسوية اميركية – روسية يمكن ان تشمل نفط البحر المتوسط وغازه. وأنّ العلاقات بين موسكو وواشنطن مرشحة لمزيد من التحسن في هذا السياق، ولذلك يحاول الجانب الفرنسي ان «يلحق نفسه» لأنّ لكل من موسكو وواشنطن نفوذاً في سوريا واسرائيل، فيما ليس لفرنسا اي نفوذ لا في اسرائيل ولا في سوريا. ولكن الورقة القوية التي يملكها الفرنسي هي علاقته بـ«حزب الله»، فيما «الحزب» يقدّر موقف فرنسا الممتنع عن تصنيفه منظمة ارهابية، لأنّ قراراً من هذا النوع يجعل الحزب مصنّفاً ارهابياً لدى الاتحاد الاوروبي. ولذا يحرص «الحزب» ومعه ايران على الاحتفاظ بعلاقة متينة مع فرنسا وتطويرها، خصوصاً انّ البعض يعتقد أنّ الحزب، بعد صدور حكم المحكمة الدولية في قضية الرئيس رفيق الحريري، بات متمسكاً أكثر بالشرعية الدولية.