في بعض دوافع عاصفة الحزم أنها كانت رداً سعودياً على «تراخي» واشنطن مع طهران، وصولاً إلى حدّ إنهاء النزاع حول الملف النووي. في ظل الحركة الديبلوماسية الناشطة، هل ثمة إمكانية للبناء على اتفاق فيينا لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، ومنها أزمات اليمن وسوريا؟ لقاء القمة بين العاهل السعودي والرئيس الأميركي، الذي خاض معركة شرسة مع نتنياهو دفاعا عن الاتفاق مع ايران، يأتي في هذا السياق. الرئيس أوباما فتح ملف العلاقات الاميركية ـ الخليجية متناولا مسائل غير مألوفة، تتجاوز التسلّح والدفاع عن أمن الخليج، هذا مع العلم ان التزام واشنطن بأمن الخليج من ثوابت السياسة الخارجية الاميركية.
لأزمات المنطقة أسباب متعددة. وبعد اندلاع الحروب بات لهذه الازمات وظائف محددة لأطراف الداخل والخارج. حالتا اليمن وسوريا لا رابط جغرافي أو سياسي مباشر بينهما سوى الرابط الخارجي. الخليج العربي وجارته اليمن يدوران تاريخيا في فلك سياسي مختلف عن دول المشرق العربي. ففي حرب اليمن في الستينيات وفي زمن اليمن الجنوبي، ارتبطت أحداث البلاد بالعالم العربي عبر الصدام بين مصر والسعودية، والاتحاد السوفياتي والأحزاب العقائدية في ما يخص اليمن الجنوبي.
انقسامات اليمن عميقة الجذور، قبلياً ومناطقياً وسياسياً ومذهبياً. ولسوريا مسار مختلف منذ نشوء الدولة في عشرينيات القرن الماضي الى اليوم. في اليمن إمكانية إنهاء النزاع متاحة في مرحلة ما بعد اتفاق فيينا. لليمن أهمية كبرى بالنسبة الى الرياض لأسباب معروفة، إلا أنه أقل أهمية بالنسبة الى طهران أو واشنطن. ولا استنفار دولياً حول اليمن أو أزمة لاجئين، مثلما هي الحال في سوريا. أزمات اليمن سابقة للربيع العربي ولاتفاق فيينا ولتقلبات الرئيس السابق علي عبدالله صالح وسواه من أطراف النزاع. تنظيم «القاعدة»، عدو واشنطن الأول في اليمن، يُشغل بال الادارة الاميركية قبل الأحداث الأخيرة، أكثر من اليمن بحد ذاته. أما الحوثيون، فلا يسعون الى نقل حراكهم الى دول الجوار، إلا أنهم مصممون على رد الاعتداء. علاقتهم بإيران حديثة العهد نسبياً وفيها من المرونة ما يكفي لحفظ ماء الوجه للأطراف المعنية إذا انطلقت مبادرة جدية لإنهاء النزاع.
حروب سوريا جاءت في آخر سلسلة تحولات الربيع العربي، وهي بالغة التعقيد في أبعادها الداخلية والإقليمية والدولية. في الداخل خطوط التماس مبعثرة ومتحركة والميدان العسكري سيد الموقف. إقليمياً، يكفي أن سوريا تجاور تركيا أردوغان وإسرائيل نتنياهو، هذا فضلاً عن الصراعات العربية على سوريا.
أما دولياً فالأزمة السورية استعادت بعض ملامح الحرب الباردة، ولا يبدو أن موسكو في وارد التخلّي عن موقفها الداعم للنظام، خصوصا أن النزاع بين واشنطن وموسكو في أوكرانيا وأوروبا لم ينته فصولا بعد. الرئيس أوباما لا يريد زجّ بلاده في حروب المنطقة بعد مغامرات سلفه في العراق، إلا ان واشنطن حائرة بين موقفها المعارض للنظام والحاجة الى تجنب الفراغ في السلطة، مثلما حصل في العراق. وتصل الأمور الى حد الهذيان مع رهان واشنطن على فرق عسكرية من «المعتدلين» لمواجهة «داعش»، والاعتدال بنظر البعض يشمل ايضا «جبهة النصرة» المرتبطة بالقاعدة. والمشهد يزداد تعقيدا مع التنظيمات التكفيرية التي حوّلت سوريا ساحات قتال باسم الدين منذ 2011 بدعم عربي وتركي. أما ايران، الدولة الأكثر دعما للنظام السوري، فعلاقاتها الاستراتيجية مع دمشق انطلقت قبل أربعة عقود من الاتفاق النووي، وهي ليست بصدد فك ارتباطها بالحليف العربي الأكثر وثوقا.
المقارنة بين اليمن وسوريا جائزة بسبب تزامن أحداث البلدين. وما عدا ذلك فلا مشترك بينهما، والمقايضة معطلة في إطار سلة حلول متداخلة للأزمتين. الاختلاف كبير في طبيعة الأزمتين وفي تداعياتهما الإقليمية. كما أن مصالح الدول الاقليمية المعنية والدول الكبرى غير متطابقة في كلا البلدين، وهي غير متوازنة لجهة الأهمية الاستراتيجية بالنسبة الى أطراف الخارج. لاستقرار اليمن مردود إيجابي على دول الخليج، بينما استقرار سوريا ممر إلزامي لاستقرار المنطقة. اليمن في أزمة متواصلة قبل الوحدة في 1990 وبعدها، بينما أزمة سوريا وتأثيرها في موازين القوى الاقليمية بدأت منذ أربع سنوات ولا تزال في عز شبابها.